مقدمة
انطلاقا من القاعدة العامة التي تقول :"الإنسان كائن اجتماعي" أي لا يقدر الإنسان أن يعيش بمفرده؛فهو يحتاج إلى الاخر احتياج ضروري؛ يحتاج إلي من يشاركه في آلامه وأفراحه وطموحاته في الحياة ،و احتياجه الشديد إلي الاخر هو الذي يجله في بحث عن ما يختاره أن يكون صديق مخلص له في كل شئ يأتمنه على أسراره . والإنسان إذ يحتاج إلى صديق من نفس جنسه فهو يحتاج أكثر إلي شخص من الجنس الاخر ليكمله،فليس ما يكمل الرجل رجل آخر ولا يكمل المرأة امرأة ولكن قد خلق الله المرأة معينه للرجل .وقد أثبتت الدراسات أن الصداقة لها تأثير على الصحة ،فمن تقل صداقته وأصدقائه يكون أكثر تعرضاً للأمراض ،في حين من يكثر أصدقائه يكون اكثر انفتاحًا علي الحياة.
+العاطفة :-
العاطفة هي التي تدفع الإنسان لان يشارك الآخرين في آلامهم وأفراحهم ويشعر بهم كقيمة في ذاتهم، فليس الآخر شيء من الأشياء أو موضوع من الموضوعات ، إنما هو قيمة في ذاته وجزء من البشرية المتضامن معها .
والمشاركة الوجدانية جزء مهم في تكوين روح الإنسان،ومن طبيعة الأنا الفردي هو الاتجاه نحو ذات الاخر وإدراك مشاعره وهذا من خلال جسد الاخر فالجسد هو مجال التعبير عن كل ما يدور في داخل الإنسان.
والعاطفة تلغي وتزل الأنانية وتجعلنا نتحرر من ذواتنا ونتجه نحو الاخر ولا نتمركز حول ذواتنا وهذا يعمل على تقدم الحياة والتسامي بها. كما أنها تقود إلى الصداقة والحب،فعندما يتجه الإنسان نحو الاخر يدخل معه في علاقة وهو قادر أن يحدد هذه العلاقة إذا كانت علاقة صداقه أو علاقة زمالة أو حب إذا كان مع الجنس الاخر. والشيء المهم هو أن كل الأشياء التي ذكرت :الاتجاه نحو الاخر ،تكوين علاقة صداقه أو حب، وإزالة الأنانية ……الخ،ليس هي من دور العاطفة وحدها إنما بالاشتراك مع العقل، فالعاطفة بدون العقل ُتحدث اختلال في الشخصية وهكذا أيضا العقل بدون العاطفة ،ويجب ألا ننسي أننا مجتمع شرقي بطبعه يميل إلى العاطفة ،ونري كثير من التصرفات تتحكم فيها العاطفة مما يظهر عدم النضوج في الشخصية.
وقد خلق الله تعالي الإنسان متجها بالعقل والعاطفة نحو "الخير والجمال والحب" ولكن الإنسان بخطيئته أنشأ اتجاه آخر منقادا لعاطفته نحو الشر وهو الاتجاه الاخر ،وهنا نشير إلى أن العاطفة قد تحدد مصير الشخص حين ينقاد لها دون وعي، والإنسان يحب ويكره بالعاطفة ،إذاً للعاطفة دوراً كبيراً في حياة الإنسان إيجابياً وسلبياً .
العاطفة شئ جميل خلقه الله في الإنسان علينا أن ندرك هذا ،فالله لم يخلق شئ في الإنسان يضر به إنما سخر كل شئ لخدمة الإنسان فأنه يحب الإنسان الذي خلقه ولن يندم على هذا الحب مها ضل الإنسان باستخدامه الخاطئ معطيات الله له، كل شئ جميل ولكن الإنسان هو الذي يشوه الشيء بكبريائه واعتماده على وجوده.والإنسان كما يختار صديقه يختار أيضا صديقته أو من ستكون شريكة حياته في المستقبل. نبد أولا بتعريف الصداقة من حيث هي علاقة بين شخصين من نفس الجنس الواحد بأوجه مختلفة من التعريفات.
الفصل الأول
تعريف الصداقة
أولاً:1/التعريف اللغوي. ثالثاً:تعريف الفلسفة وعلم الاجتماع.
2/التعريف العام.
ثانياً: تعريف علم النفس . رابعاً:تعريف الديــــــــن.
كثيراً ما أسمع من الناس كلمة صداقة كلفظ يطلق على كل أنواع العلاقات دون أي تمييز ،دون الرغبة في البحث عن معنى للكلمة أو ماذا يقصد بها ،وبهذا السبب نعرف ماذا يقصد بالصداقة من جوانب مختلفة .
أولا:ا/التعريف اللغوي:-
"كلمة صداقة مشتقة من الصدق والتصديق" وتعني كلمة صدق كل ما يقال في كامل الوضوح والصراحة من شخص لشخص آخر وهذا ما يندر بين الأشخاص.
1/تنقسم كلمة صداقة في معناها إلى نوعين: ا/الصداقة العامة . ب/الصدقة الخاصة.
أ/ الصداقة العامة: "هي صداقة الإنسان لكل شخص أهلاً للمصادقة من بني البشر لأنه بشرٌ مثلهم".
ب/الصداقة الخاصة:"هي الصداقة الحميمة لأصدقاء مقربين إلى قلب ذلك الإنسان ويكون هو اقرب الناس إليهم واكثر التصاقا بهم".
2/تعريف عام لكلمة صداقة:-
ونقصد بكلمة "عام" أي التعريف الذي يعرفه عامة الشعب إذا سأل عن ما هية الصداقة وهو:"علاقة قوية بين اثنين تربط بينهما محبة واتفاق وتقارب في الآراء، يقضيان وقتا طويلا مع بعضهما ولهما أهداف مشتركة".
ثانياً:تعريف الصداقة في علم النفس :-
في هذا السياق نعرف الصداقة من خلال أقوال بعض علماء النفس: 1-"أنجلش"يقول:"الصداقة علاقة بين شخصين أو اكثر تتسم بالجاذبية المتبادلة المصحوبة بمشاعر وجدانية"،وهنا يشير هذا العالم بأن الصداقة تنتج عن ارتياح داخلي من شخص تجاه شخص آخر.
2-"سيرز" يقول: "الصداقة هي علاقة اجتماعية وثيقة "، يشير هذا أيضا إلى أن الصداقة هي نتاج تقارب الأشخاص ببعضهم في المجتمع الواحد.
3-"دايت وكيبل" يقولان:"الصداقة علاقة تتميز بوجود قدر من الاعتماد المتبادل يُجرى بشكل إرادي ويسمح بالتفاعل الشخصي المباشر والمتفرد ،ويترتب عليه أن يكون تفكير كل طرف في خططه ونشاطاته معتمداً إلى حدٍ بعيد على تفكير الطرف الاخر في نفس الأمور بدون قيد أو ضغط خارجي".
نرى هذين يوضحان في هذا التعريف مدى قوة العلاقة بين الشخصين والتي تساعد على التفاعل المتميز داخلهما ومدى ارتباط فكر الواحد بالآخر في كل خططه بكل حرية كما يوضحان أنه توجد فوائد من تلك العلاقة وتتمثل في الأتي:
* الساندة والتشجيع ودعم الثقة بالنفس والتقويم الإيجابي للذات.
*التحقق من صحة الآراء الشخصية بعد تهيئة الظروف الميسرة للإفصاح عنهما.
*النفع المباشر بتسخير الوقت والموارد الشخصية لخدمة الصديق وتلبية حاجاته.
مما سبق يمكن أن نعرف الصداقة :بأنها علاقة اجتماعية وثيقة تقوم على مشاعر الحب والجاذبية المتبادلة بين شخصين أو اكثر ،هذه العلاقة تميزها بعض الخصائص من بينها:- الدوام النسبي والاستقرار، التقارب العمري بين الأصدقاء، توافر قدر من التماثل بينهم فيما يتعلق بسمات الشخصية والقدرات العقلية والاهتمامات والتفضيلات والقيم والظروف الاجتماعية.
كما يتسم التفاعل بين الأصدقاء بعدة خصائص منها الفهم العميق المتبادل ،والاستعداد للإفصاح عن الآراء والخبرات والمشاعر والأسرار الشخصية.
ثالثاً:تعريف الصداقة في الفلسفة وعلم الاجتماع:-
قد اعتاد الرأي العام أن ينظر إلى الصداقة على انه مجرد مؤاخاة بالمودة، أو مجرد آلفة تحدث بخلوص المصافاة وليس فيها ما يرقى بها مستوى الحب ،إنما هي صورة منصور التالف أو المودة أو التجانس.
والان نتعرض إلى تعريف الصداقة وأنواعها من خلال أراء بعض الفلاسفة اليونانيين مثل (أفلاطون، أر سطو).
*أفلاطون:-لا يجعل الصداقة تجانس بين أشباه أو تجاذب بين أضداد بل يربطها بالمحبوب الأسمى الذي تنبع منه كل صلة بين الناس ألا وهو "الخير" الذي يجمع بينهم ،فيقول :"الصداقة هي رابطة خلقية ،أو علاقة روحية، تجمع بين المواطنين الأخيار في حبٍ واحد فتؤلف بين قلوبهم وتكوّن منهم مجتمعاً سليماً متماسكاً".
*أرسطو:- هو الفيلسوف الوحيد في تاريخ الفكر اليوناني الذي أعطى تحديد لمعنى الصداقة وحصر أنواعها.
-"انباذوقليس"يقول:-"إن الشبيه ينجذب إلى الشبيه " وهذا معناه تماثل في الأخلاق، ويعبر عن المثل الشعبي القائل:"الطيور على أشكلها تقع".
-"هرقليطس"يقول:-"إن الضد ينجذب إلى ضده"، أي أن الصداقة تجاذب بين أضداد يقوم على الاختلاف والتغاير ،كما ينجذب السالب إلى الموجب. ويعلق ارسطو على هذه الآراء بقوله إن التجاذب بين الأشياء لا يدخل موضوع الصداقة لأنها علاقة إنسانية ،أو عاطفة روحية .
+ الصداقة عند ارسطو:-
*قسم ارسطو الصداقة إلى ثلاثة أقسام (أنواع):- 1-صداقة تقوم على المنفعة أو الفائدة.
2- صداقة تقوم على اللذة أو المتعة. 3-صداقة تقوم على الخير أو الفضيلة .
1-صداقة تقوم على المنفعة أو اللذة :-
هذا النوع من الصداقة هو أن يتعلق شخص بشخص آخر لفائدة يرجوها منه أو كسب يعود عليه بالنفع من ورائه وبالتالي مثل هذا النوع من الصداقة تزول بزوال الباعث عليها (السبب)، أو تسقط بسقوط الدافع إليها ،مثال شخص فقير يصادق شخص غني لان هذا يعود عليه بربح مادي وهدايا كثيرة .
2-الصداقة القائمة على اللذة أو المتعة:-
يختلف هذا النوع عن النوع الأول في دافعه، فبدل ما نجد المنفعة المادية ،نجد في هذا اللذة أو المتعة وهنا يكون تعلق الصديق بصديقه مرتبطاً بأحاسيس السرور واللذة التي يسببها له وجوده إلى جواره فإذا ما أزيلت هذه اللذة زال معها التعلق والمحبة وبالتالي زالت الصداقة .وتزول الصداقة لان اللذة هي أنانية حب للذات في الاخر تعلق ذائب لا أساس له وهذا النوع نجده في صداقة المراهقين ، وعند الشباب المتهور الذي لا يعرف كيف يتحكم في عواطفه بل يندلع وراء شهواته وعواطفه رغبةً في اللذة وإشباع شهوته تحت ما يسمى بالحب الرومانسي بين فتي وفتاة ،وسرعان ما تزول هذه الصداقة وهذا الحب بزوال الدافع وهو إشباع الشهوة ويحدث أحياناً أن أحد الطرفين وغالباً الفتاة يخسر كثير من كرامته.