[b][size=24]طــرد الشـــياطين
[url=https://servimg.com/view/13665374/63][img]
https://i.servimg.com/u/f86/13/66/53/74/thumb12.jpg[/img][/url][size=24]تقديم: الأب/ تـوما
1. التمييز الخاص للوقت الحاضر[1]
الوقت الحاضر هو الزمن الممتدّ بين ساعة مجيء سيدنا يسوع المسيح وساعة مجيئه الثاني في المجد، وهناك أيضاً ما يُسمى بالوقت الأخير أو الساعة الأخيرة (نحن نعيش في هذه الساعة الأخيرة). وما يميّز هذه الساعة هو أنه أُعطيت لنا الفرصة أن نعيش كل ساعة من الزمن على مستوى الساعة الأخيرة، وهي ساعة آلام وموت يسوع المسيح وقيامته من بين الأموات... أي كل ما حدث في السر الفصحي. إنّ هذه الساعة تُعدّ قمة التاريخ كلّه، لذلك نحن مدعوّون لأن نعيش على مستوى هذه الساعة الأخيرة. أود أن أوضّح شيئاً هو أن الساعة الأخيرة لا تعني ساعة نهاية العالم، بل هي ساعة تتميم إرادة الله الخلاصية لجميع البشر. إنّ هدف هذه الساعة هو أن يكون الإنسان من جديد بالقرب من الله على مثال يسوع الذي هو بقرب الله الآب.
إذاً الميزة الخاصة للوقت الحاضر هي الساعة الأخيرة التي تدعونا للعيش على مستوى هذه الساعة، ونستطيع ذلك. لكن علينا أن نذكر أن الساعة الأخيرة هي ساعة صراع، صراع ضد قوة الشر، صراع بين يسوع المسيح وسيّد العالم، ونتيجة هذا الصراع هي انتصار يسوع المسيح على قوة الشر بقوة آلامه وموته على الصليب وقيامته من بين الأموات. إذاً الساعة الأخيرة هي ساعة انتصار، وإذا رافقنا المسيح في ساعته وشاركناه، ندخل أيضاً في صراع مستمر في حياتنا كما هو الحال في حياة يسوع (تحرير الإنسان من قوة الشر). فالمسيح أقوى من كلّ قوى الشر لكونه ابن الله، وسوف ننتصر بالمسيح على قوى الشر. ولابد من أن نُنَوّه أن القوات الشريرة هي قوات روحية، وعلينا أيضاً أن نميز أن الأرواح الشريرة ليست أرواح الموتى كما يعتقد بعض الناس. نحن نتكلم عن الأرواح التي هي القوات الشريرة الموجودة فوق الكون، وهي أقوى من الإنسان الذي هو بالطبع أضعف من هذه القوات، وهذا ما يقوله القديس بولس الرسول في إحدى رسائله: "إنّ صراعنا ليس ضد الجسد والدم بل ضد قوات شريرة أقوى منّا". علينا أن نكون منتبهين، فهذا ليس وهماً.
الإنجيل المقدس يذكر هذه الأرواح بأسماء مختلفة، ومن الواضح أنها عديدة وفي نفس الوقت هي موجودة ضمن نظام قوي ومتماسك. إن القوات الشريرة عبارة عن مملكة متماسكة ومتينة. ونحن نعرف في تاريخ البشرية أن كلّ مملكة أتت على الأرض تزول بعد مرور فترة من الزمن، إمّا بسبب قوة أخرى أقوى منها، أو بسبب أزمة داخلية. أمّا بالنسبة لمملكة الشيطان، فينفي يسوع بشكل قاطع حدوث أي أزمة داخلية في مملكة الشيطان على عكس الممالك البشرية التي يمكن أن تزول عن الوجود بسبب أزمة داخلية، فمملكة القوات الشريرة تُدمّر فقط بسبب وجود قوة أخرى أقوى منها، وهو يسوع المسيح (راجع مت 12: 28...).
المسيحي إنسان ضعيف أمام القوات الشريرة، ولكن انتصار المسيح أعطاه فرصة للاشتراك في انتصاره مادام المسيح معه ومادام هو في المسيح ومع المسيح، تصبح قوّة المسيح قوّته هو. لذلك نستطيع أن نقاوم القوات الشريرة كلّها بقوة المسيح، (لا تخافوا) كم من مرة قالها المسيح (أنا غلبت العالم). فالمسيح أعطانا روحه القدوس، وبقوّة روحه نكون مع المسيح في ساعة انتصاره وفي ساعة صراعه. هذا شرط واضح أن نبقى ونتحّد بالمسيح حتى يعمل روح المسيح فينا.
لا يكفي أن أكون مسيحيًّا (أنا معمّد وأصلّي ولا أخاف من شيء)، بل عليّ أن أذكر أني ضعيف أمام هذه القوات الشريرة الروحية التي تشمل الأيام كلها والعالم بأسره، فالشيطان هو سيّد العالم، ولديه قوة كبيرة عل كل الشعوب والتاريخ. لكن مع المسيح تم الانتصار بطرد الشيطان. ونحن نستفيد من هذا الطرد على شرط أن نكون مع المسيح وفي المسيح لكي يتجدد الانتصار فينا. هناك أهمية كبيرة في ذلك لحياتنا الروحية التي يجب أن تكون بكليتها تحت اندفاع الروح القدس. فإرادتي وجهدي لا يكفيان لوحدهما بل يجب أن أفتح المجال للمسيح لأن يعمل ويحارب ويقاوم فيّ. هذه العطية هي القاعدة الأساسية لكل مسيحي. في حياتنا الروحية علينا أن لا نكتفي بأهداف بسيطة، بل علينا أن نرتقي إلى قامة المسيح لكي نستطيع بنعمة الله أن نشارك المسيح في سعادته المجيدة، ساعة انتصاره على قوة الشر بموته على الصليب وقيامته.
2. كيف تعمل القوات الشريرة في العالم وفي البشر؟ هل تستطيع أن تؤثر على المسيحي والإنسان؟ كيف؟
يذكر الإنجيل المقدس أن يسوع التقى بأناس مسّتهم قواتٌ شريرة، وبعدّة أشكال (إما الجسد وإما في الروح). ونجد بعض الأحيان علامات ظاهرية لهذا المسّ. لا يعامل يسوع هؤلاء الأشخاص كمرضى (عقلياً أم نفسياُ) بل كأشخاص ممسوسين. وفي أيامنا، هنالك أشخاص متألمون بصورة ظاهرة (جسدياً، روحياً أو نفسياًُ) بسببٍ من هذه الأمور. ويُعدُّ هذا النوع من وجود الشيطان في العالم جزءًا صغيرًا بالنسبة لأعمال القوات الشريرة أكثر انتشاراً وتأثيراً. يقول اللاهوتي الألماني مولتمان أن القوات الشريرة تمارس ضغوطات شيطانية تشمل العالم بأسره، على سبيل المثال استغلال الأمم الكبيرة والمتقدمة للشعوب الفقيرة والمتأخرة، انتشار عقليات تنادي بعدم احترام الاختلافات وهوية الشعوب، عدم احترام حياة الإنسان، عقلية ترفض وجود الله في العالم. كل هذه الأفكار والعقليات تدخل إلى قلب الإنسان وعقله بصورة غير ظاهرية ولكن هذا لا ينفي تأثيرها على الإنسان في أعماله الشريرة التي يرتكبها باسم أيديولوجية معينة. فلذلك علينا أن نكون منتبهين لوجود الشر في العالم وعمله الذي يواكب تطور حياة الإنسان.
3. ما هو التعزيم (طرد الشياطين)؟
عندما نتكلم عن التعزيم نعتقد أن هناك شخصًا معيّنًا وصلاة خاصة. بالتأكيد هذا أمرٌ موجود في الكنيسة، وفي كل كنيسة محلية هناك حاجة لمثل هذه المسؤولية لتمييز الأرواح وطرد الشياطين. ويجب أن نعرف أن هنالك طرقًا عديدة لطرد الشياطين ولمقاومتها عبر نشاطات الكنيسة وخاصة الاحتفال بسر الإفخارستيا، الذي يُعتبر الطريقة الأولى لطرد الشياطين، وليس فقط للحاضرين، لأن سر الإفخارستيا هو القاعدة التي تخرج منها قوة روحية تنتشر في المنطقة وفي الجماعات المسيحية وغير المسيحية. لذلك علينا أن نقدّر هذا السر وطريقة الاحتفال به. ومن الطرق الأخرى لطرد الشياطين الاحتفال بالأسرار المقدسة، والمحافظة على حياة روحية قوية تؤثر وتحقق ضغوطات ضد القوات الشريرة. عندما نكون مع المسيح نؤثر تأثيراً إيجابياً في العالم ونخفف الآلام والمشقات الموجودة في العالم ونرفع العالم بأكمله. لقد استغربتُ عندما تمّ حذف المزمور 83 و 102 في الإصلاح الليتورجي اللاتيني بسبب وجود "مسبّات" ضد العدو، لكن علينا أن نذكر أنه من أيام المسيح وكل تاريخ الكنيسة أن صلاة المزامير وسيلة فعّالة لطرد الشياطين... لا تخافوا أن تتكلموا بقوة ضد الشيطان فيسوع هو أوّل من سار على هذا النهج. إن صلاة المزامير والفرض الإلهي بجانب الإفخارستيا تُعدُّ العمل الأول في الكنيسة في مجال الصراع ضد قوات الشر وطرد الشياطين في العالم.
أسئلة
1- لماذا تختار القوت الشيطانية شخصًا معيّنًا؟ هل بسبب ضعفه؟ هل هنالك فعل إرادة حرة عند الإنسان ليتبع الشيطان؟
الأمران ممكنان: أوّلاً بسبب ضعف حياة الإنسان والاستمرار في الخطيئة، بمعنى أنّ الإنسان يعطي المجال للشيطان في أن يملك على حياته. يقول القديس بطرس في رسالته الأولى "إن خصمكم كالأسد الزائر يرود في طلب فريسة له" (1بط8:5). والمثل الذي قاله يسوع حول بيت الإنسان القوي... يذهب الشيطان ويحضر سبعة شياطين أقوى ويعود ليدخل البيت... ما معنى هذا المثل؟ ما معنى البيت المكنّس؟ البيت المكنّس هو الإنسان المحرّر من الشيطان على يد المسيح في العماد، فالشيطان يعود من جديد وبصحبته سبعة شياطين أقوياء. البيت النظيف: البيت هو الإنسان الذي لم يقم بجهده في الحياة الروحية، فيرى الشيطان أن هذا البيت له، هذا الإنسان له. لذلك علينا ألا نعرّض أنفسنا لعمل الشيطان الذي يريد أن يعود من جديد. يقول سفر الرؤيا أن الشيطان مازال يعمل في العالم، ولكن شريطة أن يعطي الإنسان للشيطان المجال أن يعود. إن الرّب يسمح بأن يُجرّبَ المؤمن كما سمح أن يكون ابنه الوحيد معرّضًا للتجربة. فالروح دفع المسيح إلى البرية ليجربه الشيطان، ونحن بانتصارنا على التجربة نستطيع أن نتقدم ونصبح أقوى مما كنا عليه في السابق كما هو الحال مع المسيح.
2- هل طرد الشياطين نعمة معطاة من الله أم هي نتيجة عمل روحي؟
كلّ مسيحي لديه القدرة على طرد الشياطين على شرط أن يكون مسيحيّاً بالفعل. ولأنه مع المسيح وفي المسيح، فالمسيح يعطيه القوة لرفض الشيطان وليساعد الغير على رفض الشيطان.
3- المملكة التي تنقسم على بعضها تخرب، والشيطان كان ملاكًا من ملائكة الله، لكنه انشقّ عن مملكة الله ولم تخرب مملكة الله، فما هو تفسيرك؟
الملائكة كلّها كانت في خدمة الله، نحن لا نعرف كيف أن قوّات روحية مملوءة من معرفة الله، ابتعدت عن الله وتحوّلت إلى قوة ضد الله وضد كل ما هو خير وضد كل ما هو حياة. قوات لها قدرة تسير إلى العدمية. كل قوة تتجه إلى العدم وإلى الشر وإلى الألم وإلى الأوجاع، وبتخطيط وخبث هي ضد الله وكلّ خير آتِ من الله.
إن انشقاق مجموعة من ملائكة الله أدّى إلى ظهور مملكة الشر، إنها مملكة قوية ومتماسكة لا توجد أية قوة تستطيع أن تتغلب عليها إلا قوة السيد المسيح له المجد فهو فوق جميع الملائكة. الإنجيل هو بشرى سارة مفادها أنه أتى من استطاع أن يحررنا من قوة الشر ( يسوع المسيح).
4- إن الله له القوة في أن يتغلب على الشيطان. لماذا لم يُزله عن الوجود؟
يجب أن نضع أمام أعيننا قبل كل شيء أن أفكار الله فوق أفكارنا. لماذا؟ فالله لديه قوة غير محدودة. يستطيع الله بكلمة واحدة أن يطرد كل الشياطين من اللحظة الأولى ويرميها في جهنم، فهو القادر على كل شيء.
يجب أن نعلم أننا أمام تخطيط إلهي مسبق، علينا أن نضع أنفسنا مكان يسوع ونتساءل لماذا حدث ما حدث بعد أن تجسد وانتصر على الشر، لماذا دفعه الروح إلى البرية؟ في اللغة اليونانية دفعه الروح إلى البرية تعني "رماه" في البرية. إن تجارب يسوع المسيح تجمع كل التجارب الممكنة، فبعد أن تغلّب على الشيطان يقول القديس لوقا- وذهب الشيطان عنه إلى حين-، أي إلى موعد آخر (الجسمانية والصلب). سمح الله أن يكون ابنه بين يدي الشيطان!
نحاول أن نجيب بهذه الطريقة، فنحن عرفنا محبة الله لنا وإلى أيّ مدى أحبنا الله والى أي حدّ وصلت محبة يسوع المسيح لنا، فالله يريد أن يرفعنا إلى مستوى محبة المسيح بدون حدود، عندما نكون مستعدين أن نحتمل التجارب الشديدة حباً بالله وحباً للناس، لأنه بهذه الطريقة نساعد الناس ونفتح صورة جديدة للحياة.[/size]