[b][size=24]يا ممتلئة نعمة
" السلام عليك يا ممتلئة نعمة الرب معك ..... " لو 1/28
بهذه الكلمات الواردة في انجيل لوقا يحمل الملاك التحية الى عذراء من الناصرة اسمها (مريم). مشيرا ومبشرا ببلوغ تاريخ الخلاص بملئه وتمامه.
هذا الحدث يكشف عن سر الله وعمله بخليقته، وعن سر الخليقة المتجلي في سر المرأة. ذلك ان الملاك يحمل رسالة من الرب العلي. وتلك الرسالة انما هي رغبة الآب بان يتجسد الابن بالروح القدس في احشاء مريم البتول .اي ان البشرية تصبح من خلال المرأة جسدا، هيكلا، مسكنا لله.
السلام الملائكي
1-السلام عليك: هي ترجمة لكلمة يونانية تعني ايضا " افرحي" وهذه الدعوة الى الفرح كسلام في الكتاب المقدس تأتي دائما في اطار التبشير بخلاص. فالفرح هو بتفقد الرب لشعبه واتمامه خلاصه الموعود به.
2-يا ممتلئة نعمة: لقد اختار الله مريم ليتجسد في احشائها فصارت "ممتلئة نعمة". وان الملاك يخاطب العذراء دون ان يسميها او بالاحرى يعطيها اسما جديدا فمريم بالنسبة له هي الممتلئة نعمة.... فما معنى ان يقول ملاكا لفتاة " يا ممتلئة نعمة ".
ان هذا التعبير يعد بمثابة اسم العَلَم لذاتها الجديدة ... فلم ينادها قائلا: " السلام عليك يامريم " بل " السلام عليك يا ممتلئة نعمة "، وكانه بهذا يعطيها اسما جديدا بدل اسمها او بالاحرى مرادفا لاسمها مريم.
وهذا له دلالات كثيرة ... فهو يكشف عن بعد الحدث الاساسي اي البعد الفائق الطبيعة. وان النعمة لاتهمل الطبيعة ابدا ولا تلغيها بل انها على العكس، تكملها وترفع من شأنها. ان ملء النعمة الموهوب لعذراء الناصرة يعني ملء الكمال فيما تمتاز به المرأة وما فيها من انوثة...
فهذه التحية المباركة صارت بمثابة اعلان الفرح وكأنه يريد ان يقول " افرحي بالكتاب المقدس فهناك خلاص.. وانت من حظيت بثقة الله لتمنح علاقة بهذا الخلاص"... فهذا السلام يبرز فيه المكانة المميزة لمريم العذراء في تاريخ الخلاص.
فمجمل الخلاص يتجلى في الاسم الجديد " ممتلئة نعمة " الذي يعطي بوضوح معنى الامتلاء... وهذا امتلاء يلزمه مكانا في النفس التي عليها ان تفرغ ما في جوهرها لتمتلىء من جوهر النعمة...
وجوهر النعمة هذا هو هبة من عند الله فحين تمتلىء النفس بالنعمة التي يهبها اياها الله تصبح مكانا لوجود وحضور الله فيهااي تصبح ممتلئة من الله وهذا اكثر ما يمكن قوله في انسان...
3-الرب معك: وهذا هو رجاء الشعب المختار بشكل واعٍ والبشرية جمعاء بطريقة غير مباشرة
ان هذا ان دل على شيئين فيدل على حضور الله، فـ " الرب معك " فهو معها ليس بمساعدته اياها فحسب بل بالاطار الذي يركز على وجوده وحضوره الدائم في جوهرها... ففي بشارة الناصرة لمبادرة الله الحاسمة الجديرة بان تضع حدا للقلق الذي يساور القلب البشري...
ان الامر لا يقتصر هنا على اقوال ملهمة نطق بها الانبياء بل ان الرد الالهي اقترن بتجسد حقيقي للكلمة (يو1 /14). وقد بلغت مريم حداً من الاتحاد بالله يفوق كل التوقعات...
" الرب معك " تعطي معنى مهم جدا وكأنها اجابة مطمئنة على اضطراب العذراء التي لم تفهم معنى السلام. فلم تستطع ان تقبل بما " ليس في استطاعة الناس " بل هو "مستطاع عند الله " لولا " قوة الروح القدس الذي حل ّعليها". فالملاك يزيل اضطرابها حين يشرح لها فحوى الحظوة التي نالتها من عند الله " فستحبلين وتلدين ابنا وتسميه يسوع " (لو1 /31). انه بهذا يوضح لها بان النعمة التي حظيت بها ليست مساعدة لها وبركة عليها فحسب بل هي تجسد الله بكل معنى الكلمة في احشائها... اي يعطي لمعنى " ممتلئة نعمة " فحواها. ذلك ان العذراء صارت ممتلئة نعمة لان كلمة الله حلّ في احشائها... لان المسيح هو من حلّ فيها.
وبحلول المسيح يحل الثالوث كله... فمن يملأها بالنعمة هو الآب، والابن القدوس هو محتوى هذه النعمة الذي حلّ بحضور الروح القدس الذي يظللها بحلول البشرى عليها، فنعمة الله ينبوع الخلاص قد ظهرت لجميع البشر. (تيطس 2/ 11).
قبول النعمة
ان مريم حين تستجيب لقول الموفد السماوي قائلة " ها انذا " تشعر وهي " الممتلئة نعمة " بحاجة الى التعبير عن صحتها الشخصية بالموهبة المعلنة لها فتقول " انا أمة الرب " (لو1/ 38) ولا يجوز تجريد هذه العبارة من معناها العميق ولا الحد من مرماها بعزلها المصطنع عن مجمل النص الذي ورد فيه الحدث وعن كل ما تتضمنه الحقيقة المعلنة عن الله و الانسان.
ان عبارة أمة الرب تترجم وعي مريم الكامل بأنها ليست سوى خليقة بالنسبة الى الله... وكلمة " أمة " الواردة في حوار البشارة تعني الخضوع الكامل لمريم لارادة الله بقبولها النعمة باستسلام تام رغم جهلها بنتائج عمل الله، ومعرفتها بتبعية المخاطر التي ستلقاها... فقبولها جاء لتتيح المجال للرب ان يتم ارادته فيها ويكتمل من خلالها خلاص البشرية...[/size][/b]