[b][size=24][center]اجتماع مع وزير
--------------------------------------------------------------------------------
لا يمكن أن أصف لك شعوري في تلك اللحظة ، فقد كنت أتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني في هذا اليوم المشئوم وتلك الساعة الرهيبة ، فقد كانت نظرات ابنتي تخترق قلبي كسيف من نار
ما هذا ؟ لماذا أقص دائما الحكاية من نهايتها ؟ هل أظن أن هذا يثير الفضول ، يجب أن نحكي القصة من بدايتها
عملت بإحدى المصالح الحكومية ، ولكني كنت ساخطا على حالي الذي ( لا يسر عدو ولا حبيب ) ، المرتب الحكومي لا يكفي لسد رمق الجوع خاصة بعد وصول ابنتي ( فلذة كبدي ) ، فقد بدأت تنمو وتلقائيا زادت مصاريفها معها
لم أدرك كيف أتصرف ؟ ماذا أفعل ؟ وجدت أن طريق الأمانة والفضيلة طويل للغاية ، فتلك الشعارات السامية على غرار القناعة كنز لا يفنى ) انتهت ، لكن الطرق الملتوية تختصر السبل ، لذا سلكت فيها وساعدتني القوى الشيطانية في بلوغ ما كنت أصبو إليه ، فقد أصبحت وكيلا لإحدى الوزارات ، فالطرق المعوجة تنجح دائما
تغيرت حياتي تماما ، السيارة المرسيدس ، فيلا على النيل ، الفنادق ذات الخمسة نجوم في شرم والغردقة ، لا مانع من قضاء يومين في إحدى العواصم الأوربية ، ما رأيك في باريس عاصمة الفن والنور والجمال ؟ أم فينيسيا المدينة العائمة تعد أكثر إشراقا ؟
أما عن ابنتي الوحيدة فهي نقطة ضعفي الوحيدة ، فأنا في الوزارة ( أشخط وأنطر) لكن مشاعر الضعف كلها تنتابني وينهار قناع القوة الزائف أمام طلب واحد منها ، ما كان يشغلني ويقلق منامي هو حفاظي على الصورة المثالية للأب الحنون المثالي المستقيم ذو القيم والأخلاق الذي استطاع بجهده وعرقه وإخلاصه وتفانيه أن يتبوأ أرقى المناصب وأرفعها
ذات ليلة ، دعيت لإجتماع نظمته إحدى المؤسسات الخيرية والذي ينتهي بحفل عشاء يحضره سيادة الوزير ، ارتديت بدلة سوداء ذات أزرار مذهبة وحرصت على أن أكون في قمة الأناقة واصطحبت ابنتي الوحيدة التي صارت فتاة جميلة فقد كنت حريصا أن ترى أباها ومدى التقدير الذي يحظى به
وفي هذا الحفل ، طلب مدير المؤسسة من السيد الوزير ، الذي يرأسني ، الاستماع لبعض الشكاوي من المواطنين والعاملين بالوزارة ، وقف أحد الأشخاص الذي أكن له كراهية غير عادية ، فهو شخص مستقيم يعترض دائما طريقي الملتوي ، فوجئت به يعدد المخالفات التي طلبت منه التغاضي عنها ويذكرني بالاسم ، احمر وجهي خجلا ، أخذت أفكر في كيفية الرد عليه بقوة حتى أبتلعه قبل أن يأكلني هو ، و
وقبل أن ينتهي من حديثه ، قامت سيدة تدعي إني طلبت منها رشوة كبيرة لتأخذ تصريحا من حقها ، فاضطرت للاستدانة حتى تعطيني المال ، بدأت الصفرة تعلو وجهي ، يبدو أنها مؤامرة علي
أنا أيضا تعرضت لتعسف شديد ، فقد انتقلت من عملي لمدينة نائية عندما اعترضت على قرار اتخذه سيادة وكيل الوزارة ) قالها شاب صغير يعمل معنا ، شعرت إنها ستكون ليلة ليلاء ، بدأ وجهي يزرق ، إلي أن جاءت الطامة الكبرى فقد وقفت آنسة صغيرة و هي تقول : ( لقد طلب مني السيد وكيل الوزارة الزواج وإلا فصلني من العمل وأنا شابة في عمر ابنته
اسود وجهي تماما ، حانت مني نظرة لابنتي والتقت أعيننا ، لا أعتقد أن الكلمات تستطيع أن تصف المشاعر التي رأيتها في عينيها الدامعتين ، فهي مزيج من الاندهاش والاحتقار والحزن وعدم التصديق والذهول.
لا يمكن أن أصف لك شعوري في تلك اللحظة ، فقد كنت أتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعني في هذا اليوم المشئوم وتلك الساعة الرهيبة ، فقد كانت نظرات ابنتي تخترق قلبي بسيف من نار.
لم أنبس ببنت شفة ، لم أستطع الكلام ، تحجر لساني داخل فمي ، و
واستيقظت من ذلك الكابوس الجاثم على صدري وأنا أرى ابنتي ، فلذة كبدي ، ترتمي في حضني ملهوفة وهي تتساءل: ما لك يا أبي ؟ هل كنت تحلم ؟
حقا ، إنه كابوس مرعب ، لكنه أوضح لي أمورا غائبة عن بصيرتي ، فإنه ليس مكتوم إلا وسيعلن ، فستأتي ساعة تنكشف فيها كل أعمالي ، إن لم يكن على الأرض ، ففي يوم الدينونة الرهيب ، راجعت نفسي ، فإن كنت لم أحتمل نظرات ابنتي ، فكيف سأحتمل تلك الساعة الرهيبة ، قررت أن أبدأ صفحة جديدة من أجل إلهي ومن أجل ابنتي ومن أجل نفسي
[/center]
[/size][/b]