[b][size=24][color:24eb=black]في مدرسة الرب يسوع نجد نموذجاً للتعامل مع نفس محتاجة للخلاص.. هذا النموذج نراه في تعامل الرب مع المرأة السامرية.
ويجدر بنا أن نلاحظ أن الدافع الذي دفع الرب يسوع للذهاب إلى السامرة كان هو المحبة الموجودة في قلبه نحو الخطاة "وكان لا بد له أن يجتاز السامرة" (يوحنا 4: 4). لقد اجتاز السامرة تعمداً لأنه
أراد أن ينقذ امرأة من براثن الخطية، مع أنه كان في إمكانه أن يتخذ طريقاً آخر غير طريق السامرة. وقد كانت هناك عدة حواجز تقف حائلاً أمام ربح السامرية ولكن الرب حطم بمحبته وحكمته هذه الحواجز. ورابح النفوس ينبغي أن يعمل مدفوعاً بمحبته للنفوس الهالكة، وينبغي أن يكون حكيماً في تعامله مع البعيدين. لقد وقفت عدة حواجز أمام ربح السامرية :
1- حاجز التعصب:
كان السامريون متعصبين ضد اليهود، كما كان اليهود متعصبين ضد السامريين. وكان تعصب السامريين معروفاً حتى أنهم رفضوا مراراً أن يقبلوا المسيح، حتى قال يعقوب ويوحنا للمسيح "يا رب أتريد أن نطلب أن تنزل نار من السماء وتأكلهم" يقول إنجيل يوحنا "لأن اليهود لا يعاملون السامريين" (يوحنا 4: 9).
وقد اجتاز الرب بمحبته وحكمته حاجز التعصب.
2- حاجز الدين:
كان السامريون يعبدون بكيفية تختلف كل الاختلاف عن الكيفية التي يعبد بها اليهود. كانوا لا يؤمنون إلا بكتب موسى، ويعبدون في هيكل منافس لهيكل أورشليم كما قالت السامرية للمسيح "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه" (يوحنا 4: 20).
وقد حطم يسوع بحكمته هذا الحاجز المنيع.
3- حاجز الجنسية:
اعتبر اليهود السامريين أنهم غرباء، حتى أن الرب يسوع نفسه بعد أن شفى الرجال العشرة البرص، ورجع واحد منهم كان سامرياً ليشكره. قال "ألم يوجد من يرجع ليعطي مجداً لله غير هذا الغريب الجنس.." (لوقا 17: 18).
لكن الرب لم يمنعه هذا الحاجز من الحديث إلى نفس ضائعة هالكة. لقد تحدث الرب إلى السامرية معلناً أن هذه مشيئة الآب. أن يربح البعيدين. وقد قال هذه الكلمات صريحة للتلاميذ حينما دعوه ليأكل معهم "قال لهم يسوع طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله" (يوحنا 4: 34).
كيف تعامل الرب مع السامرية؟
كان الأسلوب الذي استخدمه الرب في ربح المرأة السامرية أسلوباً حكيماً للغاية فالمسيح هو "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة".. فقد تدرج الرب في حديثه مع السامرية محركاً إرادتها، وعواطفها، وفكرها حتى أوصلها إلى الاعتراف الكامل بخطاياها، وأعدها لإعلان ذاته لها. والآن تعال معي نرى مراحل تعامل الرب مع السامرية :
أ- خاطبها موجهاً الكلام إلى إنسانيتها:
"فقال لها يسوع أعطيني لأشرب" (يوحنا 4: 7).
هو الذي كال بكفه المياه يطلب من امرأة سامرية غريبة الجنس أن تعطيه ليشرب. لماذا؟ ليرفع قدرها.. ليريها حاجته إلى شيء يمكن أن تقدمه له. ففي تعاملك مع أي نفس احذر التعالي.. بل ارفع من مستوى من تتحدث إليه إلى مستوى من يستطيع تقديم خدمة لك.
لقد خاطب المسيح إنسانيتها.. أنت إنسانة، وأنا إنسان... ويمكنك تقديم خدمة ليَّ أنا الإنسان العطشان. لقد كان المسيح عطشاناً لا إلى الماء، بل إلى خلاص هذه السامرية المسكينة.
ولقد كان رد فعل السامرية هو التعجب من ذلك اليهودي الذي يتنازل لمستوى طلب خدمة من امرأة سامرية فقالت له "كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية. لأن اليهود لا يعاملون السامريين" (يوحنا 4: 9).
ب- خاطبها موجهاً الكلام إلى دافع حب الاستطلاع فيها:
"أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً" (يوحنا 4: 10).
قد دفعها لاستطلاع حقيقة شخصه "من هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب" ودفعها لاستطلاع حقيقة ما يمكنها أن تأخذه منه "لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً" وقد امتلأت المرأة دهشةً لكلام الرب يسوع فقالت له "يا سيد لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي" (يوحنا 4: 11).
هنا نتعلم درساً هاماً هو أن توجيه الأسئلة التي تثير حب الاستطلاع هام جداً في ربح النفوس. فعلى رابح النفوس أن يثير حب المعرفة في النفس التي يريد ربحها للمسيح لتتفتح لسماع كلامه.
ج- خاطبها موجهاً الكلام إلى حاجتها:
إن كل نفس تحتاج إلى الارتواء فأمور العالم لا تروي الروح البشرية.
"أجاب يسوع وقال لها: "كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد. بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية" (يوحنا 4: 13و14).
مع أن المرأة لم تدرك تماماً طبيعة الماء الذي يقدمه لها الرب، لكنها أحبت أن ترتوي منه فقالت للرب "يا سيد أعطيني من هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي" (يوحنا 4: 15).
وعلى رابح النفوس أن يثير الشوق في النفس التي يتعامل معها لتطلب ماء الحياة الأبدية بتعظيم قيمة خلاص الله... الذي يحوي الغفران، والسلام، والفرح، والحياة الأبدية.
د- خاطبها موجهاً الكلام إلى ضميرها:
"اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى هنا" (يوحنا 4: 16).
هنا يضع الرب إصبعه على مكان الداء كطبيب ماهر. لم يقصد الرب أن يجرح مشاعر السامرية بل على العكس مدح صدقها. (يوحنا 4: 17و18).
إن توجيه الحديث إلى ضمير الخاطئ لقيادته للاعتراف بأنه في حاجة إلى الخلاص أمر هام. فالخطية المكتومة هي العقبة والمانع الذي يمنع الكثيرين عن نوال الخلاص.
لقد قصد الرب بكلامه أن ترى المرأة شرها، والحياة الساقطة التي تحياها، وحاجتها إلى الغفران.
وقد أجابت المرأة "ليس لي زوج" (يوحنا 4: 17).
وهنا أمسك المسيح بيدها برفق مشجعاً إياها على الاعتراف الكامل بخطيتها فقال: "حسناً قلت ليس لي زوج. لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك هذا قلت بالصدق" (يوحنا 4: 17و18).
ما أكثر حنان الرب، لقد رأى في هذه المرأة الساقطة ناحية منيرة "هذا قلت بالصدق" ومدح هذه الناحية، وهكذا قادها إلى الاعتراف بخطيتها إذ قالت له: "يا سيد أرى أنك نبي" (يوحنا 4: 19). وباعترافها بأنه نبي اعترفت بخطيتها.
هـ- أخيراً خاطبها موجهاً الكلام إلى روحها:
أرادت المرأة أن تغير موضوع الحديث بعد أن أعلن لها المسيح خطيتها "الذي لك الآن ليس زوجك"، فسألت الرب يسوع سؤالاً قصدت به إثارة الخلاف، وكثيراً ما يلجأ الخاطئ الذي يرى شر قلبه وحاجته للخلاص إلى فتح موضوعات تختلف فيها الآراء في المذاهب المسيحية وقصده الهرب من مواجهة المسيح.
وهنا تظهر حكمة الرب يسوع التي يجب أن يتعلمها رابح النفوس، وهي أن لا يعطي فرصة للنفس التي يتعامل معها للتهرب من الموضوع الرئيسي، موضوع قبول المسيح مخلصاً. لقد قالت المرأة السامرية للمسيح "آباؤنا سجدوا في هذا الجبل وأنتم تقولون أن في أورشليم الموضع الذي ينبغي أن يسجد فيه" (يوحنا 4: 20).
"قال لها يسوع يا امرأة صدقيني أنه تأتي ساعة لا في هذا الجبل ولا في أورشليم تسجدون للآب. أنتم تسجدون لما لستم تعلمون. أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود. ولكن تأتي ساعة وهي الآن حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق. لأن الآب طالب مثل هؤلاء الساجدين له. الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا 4: 21-24).
هنا أراها الرب يسوع أنه:
* ليس المهم هو مكان السجود.
* بل المهم معرفة الإله الذي نسجد له.
* وأن السجود الحقيقي ينبغي أن يكون بالروح ووفقاً للحق الإلهي.
لقد سقطت كل أسلحة المرأة، واعترفت بشرها، واعترفت بأن المسيا المنتظر هو الذي سيخبرها بكل شيء... أصبحت الآن مستعدة لمعرفة حقيقة المسيا إذ قالت "أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء" (يوحنا 4: 25).
وهنا أعلن الرب ذاته للمرأة باعتباره المسيا الآتي إلى العالم إذ قال لها "أنا الذي أكلمك هو" (يوحنا 4: 26).
وإذ قبلت المرأة المسيح مخلصاً لنفسها. نست كل شيء يخص حياتها المادية، وأسرعت تنادي باسمه للآخرين.
"فتركت المرأة جرتها ومضت إلى المدينة وقالت للناس: هلموا أنظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت. ألعل هذا هو المسيح؟" (يوحنا 4: 28و29).
لقد تعلمت المرأة كيف تربح الآخرين للمسيح الذي ربحها واستطاعت أن تجذب إليه أهل مدينتها "فخرجوا من المدينة وأتوا إليه" (يوحنا 4: 30[/size][/b][/color]