صورة لي ولك
صلبوه هناك مع المذنبين، واحدًا عن يمينه والآخر عن يساره.. وكان واحدٌ من المذنبين المعلقين يجدف عليه... فأجاب الآخر وانتهره .. ( لو 23: 33 - 40)
هذان اللصان اللذان بدءا بتعيير المسيح وهو فوق الصليب، هما صورة لنا كلنا، إذ يقول الوحي: «وأنتم الذين كنتم قبلاً أجنبيين وأعداء في الفكر، في الأعمال الشريرة، قد صالحكم الآن في جسم بشريته بالموت» ( كو 1: 21 ، 22).
هل أسمع واحدًا يعترض على هذا التشبيه ويقول: ”أنا لست لصًا، ولذلك فهذا اللص لا يشبهني ولا أنا أُشبهه“؟ صديقي، أقول لك بإخلاص إن حالتك أسوأ بكثير مما تظن، والإنسان الطبيعي وهو في حالته الطبيعية هو لص من أسوأ أنواع اللصوص إذ إنه لا يسرق الناس بل الله ( ملا 3: 8 ). أَوَ لا يقرر الكتاب المقدس أن الإنسان قصَّر في تمجيد الله وأنه تعدَّى على اعتبارات مجده؟ ذكر أحدهم هذا المَثَل: هَب أن إنسانًا كان يعمل في شركة معينة باعتباره ممثلاً لها في بلد معيَّن، وكانت الشركة ترسل له راتبًا شهريًا مُجزيًا إزاء خدمته لها، وكان هو يصرف هذا الراتب، فيما يعمل طول الوقت لمصلحة شركة منافسة. أخبرني، ألا يُعتبر هذا الوكيل لصًا. والآن ألا ترى معي المُشابهة بين هذا الوكيل والإنسان عمومًا؟ لقد أعطانا الله الصحة والقوة «لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد» ( أع 17: 28 )، لكننا بدل من أن نمجد الله، قمنا بخدمة عدوه: خدمنا الشيطان، وخدمنا الشهوات والخطايا، وعملنا كل ما يغضب الله بالفكر والقول والعمل. فكيف نستكثر على أنفسنا تُهمة السرقة؟
لكن هناك شيئًا آخر يمثله ذلك اللص: إنه يمثل العجز الكُلي. نعم، ماذا كان بوسع لص قاتل، مُسمَّر اليدين والقدمين، أن يعمل ليخلِّص نفسه أو يرضي خالقه؟ لقد كان على شَفا الموت، ووضعه الذي فيه يجعل من المستحيل عليه تمامًا أن يفعل أي شيء. لكن خلاص الله لا يحتاج إلى وقت ولا إلى عمل. فيا لنعمة الله التي بغير حدود والتي تخلِّص شخصًا فاجرًا عاجزًا كهذا اللص المصلوب!
تأمل معي ـ عزيزي القارئ ـ في نعمة الله مع هذا اللص: إنه في الصباح كان مجرمًا في السجن، محكومًا عليه بالصلب. وقبل الظهر صار مُخلَّصًا بالنعمة، وقبل الغروب غَدَا في الفردوس. ويا لخلاص المسيح المُقدَّم لجميع البشر، ولأردأ البشر، كقوله الكريم: «مَنْ يُقبل إليَّ لا أُخرجه خارجًا»! ( يو 6: 37 ).