أيها العطاش جميعًا
هُلموا إلى المياه، والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكُلُوا. هلموا اشتروا
بلا فضة وبلا ثمن خمرًا ولبنًا ( إش 55: 1 )
في داخلنا في الأعماق، هناك حنين إلى معرفة الحقيقة، وإلى الوصول إلى
الشبع. هناك تطلع إلى الحق الكامل، وإلى الجواب الشافي على ألغاز الحياة
وعلى خفايا النفس وعلى سر الله، هذه قضية أساسية عند كل واحدٍ منا. لقد
كان هذا العالم ولم يَزَل حتى الآن مكان الطالبين والمتسائلين والباحثين
وراء قضايا هذا الوجود.
وعندما كان الرب يسوع المسيح نفسه على الأرض، قابل في كل مكان أُناسًا
طلاب راحة وطلاب شبع، أُناسًا عقلاء وحكماء وقادة ومُدبرين ورجالاً ونساءً
من مختلف الطبقات من الأغنياء ومن الفقراء، وبكل تأكيد لم يتقابل معهم
مُصادفة، بل اعترض طريقهم ليحل مشاكلهم الفكرية، وغير الفكرية.
هذا نيقوديموس، رئيسٌ بين اليهود، محترم ومعلم في الديانة اليهودية، له
مكانته وقدره، هذا الرجل جاء إلى يسوع ليسأل عن الحق وعن الله.
وهذا شاب ذو أموال كثيرة، يتمتع بمركز اجتماعي مرموق بين مواطنيه، وكان
بقلبه يبحث عن شيء، كان يريد الحياة وحقيقتها وأبديتها، ومرقس يسجل عنه
هذه العبارة: «فنظر إليه يسوع وأحبه» ( مر 10: 21 ).
ونيقوديموس عرف الجواب، ووجد السر واستراح، إذ قَبِلَ الرب يسوع وقَبِلَ
تعليمه. أما ذلك الشاب الغني فعندما عرف نفس الجواب ونفس الرب مصدر الحياة
والراحة، فإنه حوَّل وجهه ومضى. لم يستطع أن يفك نفسه من رُبط المال ومحبة
المال. عاد إلى ملذاته، وعاد فارغًا، وعاد حزينًا.
وماذا عن أنفسنا؟ نحن نختبر ذات الحنين إلى الحقيقة، وذات التطلع إلى
معرفة الحق والحصول على سلام القلب. ويسوع المسيح لم يَزَل هو الجواب
الشافي على كل تطلع إلى الحق والحقيقة. جاء إلى حيث نحن ليموت نائبًا
وبديلاً لكي يقرِّبنا إلى الله، ويطلب منا أن نأتي إليه. جوابه على كل
اشتياق أو حنين هو دعوته التي يوجهها إلينا لنُقبِل إليه. نأتي إليه كما
نحن وحيث نحن بمسائلنا ومشاغلنا ومشاكلنا وقضايانا وجوعنا وتطلعنا. نأتي
إليه بذات خطايانا، وهو كفيل بإشباع الأشواق وحل المشاكل وحسم القضايا. هو
يُشبع الجياع خيرات. هو يملأ كل فراغ إذا نحن سلمناه الفراغ ليملأه.