[size=24][size=24]مقدمــة
سر الميرون هو السر الثاني من أسرار التنشئة المسيحية وهم (المعمودية، الميرون، الإفخارستيا).
• تسميات السر:
1. مسحة الميرون: ترجع هذه التسمية إلى التقليد الشرقي وذلك نسبة إلى الدهن بزيت الميرون، وهو زيت ممزوج بعطور، والذي يكرسه البطريرك يوم خميس العهد ويوزعه على بطريركيته حسب احتياجها، وهذا الدهن بزيت الميرون هو رمز للروح القدس.
2. سر التثبيت: ترجع هذه التسمية إلى التقليد الغربي، فهو ختم موهبة الروح القدس والذي يثبت سر المعمودية، بل ويثبت المعمد نفسه، وذلك كان يتم بواسطة الأسقف عن طريق وضع اليد ورسم الصليب على الجبهة وصلاة استدعاء الروح القدس، ثم الدهن بالزيت، وغالبا يمنح يوم خميس العهد.
أولاً: تأسيس السر
مَن هو مؤسس السر، المسيح أم الكنيسة؟ قد عرفنا في الكلام عن مدخل الأسرار أن كل الأسرار تعود إلى يسوع المسيح نفسه، وقد ميز اللاهوت بين تأسيس مباشر وتأسيس غير مباشر، وسر الميرون هو تأسيس غير مباشر، ولكن كثير من الآباء قد وجدوا بعض الآيات والأعمال التي تشير إلى سر الميرون.
1. العهد القديم
المسحة بالزيت التي كان يمسح بها الملوك والأنبياء والكهنة، هي رمز لمسحة الميرون التي تمنح الروح القدس للمعمَّد، لذلك نحن نُدعى مسيحيين على اسم المسيح لأننا نحمل صفاته ولأننا نحمل اسمه القدوس.
القديس كيرلس الاورشليمى:«يجب أن تعلموا أن هذه المسحة لها مثالها في العهد القديم، إذ عندما أبلغ موسى أخاه هارون أمر الله، ونصبه رئيس كهنة، غسله بالماء أولا ثم مسحه (أح8/1-12)، وعى هارون مسيحاً بسبب هذه المسحة التي كانت رمزا. وكذلك عندما نادى رئيس الكهنة بسليمان ملكا، مسحه في جيحون بعد أن جعله يستحم (2ملو1/33-39)».
2. العهد الجديد
رأى الآباء في العهد الجديد أن وضع اليد هو حلول الروح القدس وتثبيت من دخلوا في الإيمان بالمعمودية، وتستند الكنيسة إلى النصوص التالية:
1) حدث معمودية يسوع في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان (متى 3) ، وهناك حل الروح القدس عليه وكانت هذه مسحته المقدسة والتي تنبأ عنها أشعيا النبي قائلاً:«روح الرب عليَّ لأنه مسحني وأرسلني لاُبشر المساكين……» (أش61/1 // لو4/18).
2) منح الروح القدس للتلاميذ بعد القيامة في العُلية:«خذوا الروح القدس……» (يو 20/22).
3) حلول الروح القدس يوم الخمسين مثل ألسنة نار وقد اكتملت معموديتهم يوم العنصرة، فقد حل عليهم روح الكرازة والشهادة ليسوع المسيح (أع 2/1-4).
4) منح الروح القدس للذين اعتمدوا في السامر:«حينئذٍ وضع أيديهما عليهم فنالوا الروح القدس» (أع 8/12-17).
5) بولس الرسول وتلاميذ أفسس حيث تعمدوا على يد يوحنا ولم يسمعوا بأن هناك روح قدس:«إذ وضع بولس يديه عليهم حَّل الروح القدس عليهم……» (أع19/2-6).
إذا رأت الكنيسة في حلول الروح القدس بواسطة وضع اليد سراً متميزاً عن المعمودية ومكمل لها.
ثانياً: لاهوت سر الميرون
1. بين المعمودية و الميرون
إذا كنا نقول إن سر المعمودية هو اشتراك في حياة الثالوث، أي نصير أبناء للآب، اخوة للابن، هيكلاً للروح القدس، فماذا يضيف سر الميرون؟ لذلك نعرض ما يميز كل سر عن الآخر موضحين أيضا التكامل بينهما.
يركز سر المعمودية على شخص المسيح، خاصة السر الفصحي أي الموت والقيامة، ونحن في المعمودية نشترك في سر المسيح الفصحي حيث نموت ونقوم معه.
بينما يركز سر الميرون على شخص الروح القدس وخاصة حدث العنصرة مصدر الشهادة بيسوع المسيح، لكن هذا التمييز لا يلغي وحدتهما واشتراكهما في العمل الواحد معا، فيسوع المسيح والروح القدس يعملان باتحاد وتمايز في ذات الوقت، بل والثالوث كله (الآب والابن والروح القدس) يعمل معاً في السر الواحد.
الكنيسة الشرقية عند احتفالها بسر الميرون تركز على شخص الروح القدس، بينما تركز الكنيسة الغربية على حدث العنصرة، وليس بين الاثنين تناقض بل تكامل، فالروح القدس لا يعمل في الشخص إلا إذا سكن فيه، وحيث يسكن الروح القدس يعمل في الشخص الذي يتجاوب على عمله فيه.
المعمودية الميرون سران هامان لا غنى عنهما، لذلك نعرض بوضوح أكثر عمل الاثنين وتكاملهما معاً في الجدول الأتي:
سر المعمودية سر الميرون
هو سر ولادة النفس.
به يولد الإنسان في المسيح ويشترك في حياته أي ولادة جديدة.
تنحنا البنوة ليسوع.
انتقال من حالة الخطيئة إلى حالة القداسة والإيمان.
نعمة المعمودية تشمل كيان الإنسان.
تعطي صورة الإنسان الجديد.
ولادة روحية تتطلب أفعالا ونشاطات.
اشتراك في موت وقامة المسيح.
الروح القدس في المعمودية يصيرنا أطهارا وأبرارا.
تتلمذ للمسيح.
انتماء للكنيسة جسده الطاهر.
ولادة مثل ولادة الكنيسة على الصليب. هو سر كمال النفس.
به ينمو الإنسان في حياة المسيح هذه الولادة الجديدة.
ينمي الاخوة بين البشر.
يحفظ في القداسة ويثبت في الإيمان.
نعمة الميرون تشمل عمل الإنسان.
يُصير هذه الصورة الجديدة فاعلة بقدرة الروح القدس.
يعطي القوة الروحية والحركة الدائمة لهذه الأفعال.
ختم موهبة الروح القدس للشهادة عن هذا الاشتراك.
الروح القدس يعطينا ازديادا في النعمة لمقاومة قوى الشر.
رُسل وشهود للمسيح.
خروج للعالم حيث وضع اليد هو إشارة لهذا الخروج.
إرسال مثل إرسال الكنيسة في العنصرة.
والسؤال الآن هو المعمدون: الذين يموتون دون نوال سر المسحة هل تكفي المعمودية لخلاصه؟ نعم، المعمودية وهي نعمة الولادة الجديدة تكفي لخلاص من يموتون بعدها، وذلك ليس لأن سر المسحة اقل أهمية من المعمودية، ولكن لأنه خاص بالحياة العملية على الأرض لينمي أفعال المعمودية، فهو وعي بالمسؤولية أكثر وارتباطه بالكنيسة كعضو فعّال فيها.
2. مفاعيل سر الميرون
إفاضة الروح القدس كما في العنصرة.
يرسخنا في البنوة الإلهية وبه ننادي «أبا أيها الآب» (رو8/15).
يُزيدنا ثباتا في اتحادنا بالمسيح، ويكمل ارتباطنا بالكنيسة.
يمنحنا قوة خاصة للرسالة والاعتراف باسم يسوع.
يمنحنا المواهب السبع المقدسة«روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة والتقوى والمخافة».
يشركنا في حياة يسوع المسيح الملك والكاهن والنبي:
إن السيد المسيح بمسحة الروح القدس التي نالها في معموديته، جمع في شخصه ما اختصت به مسحة العهد القديم (الملوكية والكهنوت والنبوية)، ومسحة الميرون التي ننالها في المعمودية تشركنا في هذه الصفات، ونرى هذا من خلال أقوال الآباء:
أ. اشتراك في الملوكية
القديس غريغوريوس:«النفس تُظهر كرمتها الملوكية في السيطرة الحرة على رغائبها، وإن السيادة على كل شئ هي من خصائص الطبيعة الملوكية».
القديس يوحنا فم الذهب:«بالمسحة نحصل على الملوكية بواسطة روح المشورة والقوة، بها نسود على أهوائنا وذواتنا، ونتحرر من استعباد الشهوة والخطيئة مشابهين المسيح الملك».
ب. اشتراك في الكهنوت
العلامة اوريجانوس:«كل الذين تشربوا مسحة الميرون المقدس صاروا كهنة، كل منهم يحمل في ذاته ذبيحة، وهذه الذبيحة تظهر في التخلي والمحبة وحمل الصليب وإماتة الذات، وبذلك يكون الإنسان كاهن ذبيحته الخاصة».
يوحنا فم الذهب:«إننا نحصل على الكهنوت بواسطة روح المعرفة والتقوى ومخافة الرب».
المجمع الفاتيكاني الثاني:«إن المسيح الرب، الحبر المأخوذ من الناس، قد جعل من الشعب الجديد ملكوتا وكهنة لأبيه، ذلك بأن المعمدين قد تكرسوا بالميلاد الثاني ومسحة الروح القدس لكي يكونوا مسكناً روحياً وكهنوتاً مقدساً».
إن سر الميرون هو سر تكريس الإنسان لله تكريسا كلياً، وبالتالي أصبحت حياة الإنسان هي عبادة متواصلة تشهد للمسيح، وهذا هو الكهنوت العام للمؤمنين.
ت. اشتراك في النبوية
يوحنا فم الذهب:«إننا نحصل على النبؤة بواسطة روح الحكمة والفهم».
النبي هو من يدرك إرادة الله من خلال الأحداث التي تمر به، وذلك بواسطة تفاعله مع الروح القدس الذي يهبه الحكمة والفهم لما يعيشه، وليس النبي هو من يتنبأ بالأحداث المستقبلية.[/size]