مخدرات الصوم والصلاة
لعلك تتساؤل كيف تكون الصلاة والصوم من ضمن قائمة المخدرات الممنوعة والتي تقود إلى الهلاك والموت؟ كيف ذلك؟ نعم، الصلاة والصوم يكونان كمخدرات يتعطاها البشر من أجل أن يتناسوا رحمة الله وخدمة الفقير ومساعدة الأرامل والأيتام وأطفال الملاجيء وزيارة المستشفيات والمرضى. كثيرٌ منّا يخدّرُ ضميره ويكتمه من خلال الافراط الشديد في تأدية واجب الصلاة والصوم وممارسة الأسرار بحجة إن الإنسان بدون الصلاة ميت، ويتناسى بكلِّ أسف أخاه الإنسان الفقير والمريض والحزين.
أريدُ رحمةً لا ذبيحة..الله يصرخ إلينا في كل لحظة لأن نقدّم له رحمةً وبرًّ وذبيحةَ محبّة تصعد أمامه كبخورنقي يشتمه فيرضى عنه برضاه ويفيض علينا سلامه الإلهي. إن الله يريد من كلِّ تلاميذه على الأرض في عالم اليوم المضطرب بالآلام والأوجاع والحروب وعدم السلام أن يكونوا مسيحيين حقيقيين نازعين من عقولهم كلَّ قساوةٍ وتجبرٍ وعنادٍ، ومن أرواحهم كلَّ فتورٍ وكلَّ ظلامٍ روحيٍّ يحاول أن يدلهم النور السماوي الذي زرعه الله داخلنا حين عُمدنا في جرنا العماد واستقبلنا نعمة الروح القدس.
كفى، كفى تعاطي مخدرات الصلاة الكاذبة وأنت تتناسى من حولك. يا مرائي، كيف تكلّم الله وأنت تكره الآخرين وترفض خدمتهم وتتعالى عليهم؟ هل تظن أنك تأخذ بركةً من الرب من خلال صلاتك الكاذبة هذه؟ أقولها لك بكلِّ صدقٍ، إنك تأخذ لعنةً ودينونةً لنفسك. فإن لم تتبْ سريعًا وتقدّم دموع كثيرة وميطانيات خاشعة من أجل نفسك ومن الآخرين فسوف تهلك. قمْ الآن من غفلتك الروحيّة، وانغلاقك على المحتاجين والبائيسين، وقدّمْ سكيبًا طيبًا تحت قدمي يسوع بدموع حارة، فترفع غضب الله عنك وتكسب سروره ورضاه.
كفى، كفى تعاطي مخدرات الصوم الخادع. فأنت تصوم عن الأطعمة ولا تصوم عن الكبرياء والقسوة وعدم الرحمة ونقص الحب، فهل تسمي هذا صومًا؟ كيف تصوم وأنت كل يوم تزداد في قتل الآخرين بكلامك الذي يشبه السم المميت في صدور الآخرين؟ كيف تصوم وقلبك وفكرك وحواسك بعيدةً تمامًا عن محبة الله من كل القلب والكيان؟
كيف تصوم وبداخلك أصنام البعل ومذابحه التي بناها الشرير داخلك بموافقتك ورضاك؟
كيف تصوم وأنت تسدُّ أذناك عن صراخ البائس والفقير والمحتاج والمهان؟
إن الله لا يريد صومكم وصلاتكم ما لم تقتربوا إليه أولاً من كل القلب، وتنزعوا الآلهة الغريبة التي بينكم، لئلا يحل عليكم غضب الرب. تقدّسوا للصوم، ولتكنْ حياتكم مطابقة لصلاتكم، وصومكم مطابقًا لحياتكم وكلامكم.
اخلعوا كل كبرياء، فالله يقاوم المتكبرين، فالكبرياء لن يفيدك شيئًا، فالبسْ رداء التواضع، وتذكّر خطاياك التي لطّخت الإله بالآلام القاسية. فلنخفّف من الآلام إلهنا بتخفيفنا آلالام الآخرين ومسحنا لدمعة الحزين ومشاركتنا الأخوية مع كلِّ المنبوذين والمطحونين الذين طحنهم الزمن وقتلهم قتلاً بسبب محبتهم وبساطتهم القوية.
إنَّ الصوم الأربعيني هو فرصةً خاصة يمنحها الله لشعبه ليخبره بأنه مستيقظٌ غير متغافلٍ عن كل ما يحدث في العالم، ويريدُ منّا أن نُعلنَ حضوره وسلامه ورحمته في كلِّ مكان بقلب صادق ومحبّة أخوية وحواس نيّرة طاهرة مقدسة.
الإكليريكيّ/ مايكل وليم