[size=24]3. حوالي عام 216م، إذ نهب الإمبراطور كاركلا Caracalla مدينة الإسكندرية وأغلق مدارسها واضطهد معلميها وذبحهم، قرر أوريجينوس أن يذهب إلى فلسطين. هناك رحب به صديقه القديم الكسندر أسقف أورشليم كما رحب به ثيؤكتستوس Theoctistus أسقف فلسطين، اللذان دعياه ليشرح الكتاب المقدس للشعب في حضرتهما. غضب البابا ديمتريوس الإسكندري جداً، لأنه حسب عادة الكنيسة المصرية لا يستطيع غير الكاهن أن يعظ في حضرة الأسقف، فأمره بعودته إلى الإسكندرية سريعاً، فأطاع وعاد، وبدت الأمور تسير كما كانت عليه قبلاً.
. 4- مع بداية حكم اسكندر ساويرس (222- 225م) أرسلت مامسيا Mammaca والدة الإمبراطور حامية حربية تستدعي أوريجينوس لإنطاكيا يشرح لها بعض الأسئلة، وقد استجاب للدعوة ثم عاد إلى مدرسته.
5. أرسل العلامة أوريجينوس إلى اليونان لضرورة ملحة تتعلق ببعض الشئون الكنسية، وبقيّ غائباً عن الإسكندرية. ذهب إلى آخائية ليعمل صلحاً، وكان يحمل تفويضاً كتابياً من بطريركه. وفي طريقه عبر بفلسطين، وفي قيصرية سيم قساً بواسطة أسقفها. فقد بدا للأساقفة أنه لا يليق بمرشد روحي مثل أوريجينوس بلغ أعلى المستويات الروحية والدراسية يبقى غير كاهن. هذا وقد أرادوا أن يتجنبوا المخاطر التي يثيرها البابا ديمتريوس بسماحهم له أن يعظ وهو "علماني" في حضرتهم. وقد اعتبر البابا هذه السيامة أكثر خطأ من التصرف السابق، حاسباً إياها سيامة باطلة لسببين: أ. أن أوريجينوس قد قبل السيامة من أسقف آخر غير أسقفه، دون أخذ تصريح من الأسقف التابع له. ب. إذ كان أوريجينوس قد خصى نفسه، فهذا يحرمه من نوال درجة كهنوتية، فإنه حتى اليوم لا يجوز سيامة من يخصي نفسه.
إدانته
لم يحتمل البابا ديمتريوس هذا الموقف فدعا لانعقاد مجمع من الأساقفة والكهنة بالإسكندرية. رفض المجمع القرار السابق مكتفين باستبعاده عن الإسكندرية. لم يرض البابا بهذا القرار فدعا مجمعاً من الأساقفة وحدهم عام 232م، قام بإعلان بطلان كهنوته واعتباره لا يصلح بعد للتعليم، كما أعلن عن وجود بعض أخطاء لاهوتية في كتاباته. كتب البابا الإسكندري القرار إلى كل الإيبارشيات، فدعا Pontias أسقف روما مجمعاً أيّد القرار، وهكذا فعل كثير من الأساقفة، فيما عدا أساقفة فلسطين والعربية وآخائية وفينيقية وكبدوكيا الذين رفضوا القرار. اضطر أوريجينوس أن يدافع عن نفسه ضد الاتهامات الخطيرة التي وجهت ضده. فقد أورد روفينوس في كتابه De Adulteratione نبذة طويلة من خطاب كان قد وجّهه أوريجينوس إلى أصدقاء له في الإسكندرية يشكو فيه من الملفقين الذين غيروا بعض فقرات من كتبه وشوهوها،
ومن الذين نشروا في العالم المسيحي كتباً مزورة ليس من العسير أن نجد فيها ما يستحق السخط. كذلك يعرفنا القديس جيروم بوجود خطاب آخر كتبه أوريجينوس إلى فابيانوس أسقف روما يتهم فيه صديقه إمبروسيوس بأنه تسرع ونشر أحد كتبه في وقت غير مناسب وقبل أن يكمله، لعله قصد بهذا الكتاب "المباديء De Peincipiis" الذي أثار سخط الكثيرين ضده حتى بعد وفاته. وجاء في ميمره الخامس والعشرين على إنجيل لوقا: "إنه من دواعي سرور أعدائي أن ينسبوا لي آراء لم أكن أتصورها ولا خطرت ببالي". مدرسة جديدة حثه أسقف قيصرية على إنشاء مدرسة للاهوت هناك، رأسها قرابة عشرين عاماً، فيها تتلمذ القديس غريغوريوس العجائبي لمدة خمسة أعوام. اضطهاد مكسيميان خلال الاضطهاد الذي أثاره مكسيميان التجأ أوريجينوس إلى كبادوكية قيصرية، في هذا الاضطهاد أُلقيّ القبض على صديقيه القديمين: إمبروسيوس وبروتوكتيتوس كاهن قيصرية، ووضعا في السجن. كتب أوريجينوس إليهما مقالا: "الحث على الاستشهاد"، نظر فيه إلى الاستشهاد كأحد البراهين على صحة الحق المسيحي،
وكاستمرار لعمل الخلاص. أطلق سراح صديقيه وعاد أوريجينوس إلى قيصرية فلسطين. سافر أوريجينوس إلى أثينا عن طريق بيلينية، حيث قضى عدة أيام في نيقوميديا، وهناك تسلم رسالة من يوليوس أفريقانيوس، يسأله فيها عن قصة سوسنة إن كانت جزءاً أصيلا من سفر دانيال، وأجابه أوريجينوس برسالة مطولة بعثها إليه من نيقوديمية. وفي أيام داكيوس (ديسيوس) Decius (249- 251)، ثار الاضطهاد مرة أخرى، أُلقى القبض على أوريجينوس. تعذب جسده، ووضع في طوق حديدي ثقيل وأُلقيّ في السجن الداخلي، وربطت قدماه في المقطرة أياماً كثيرة، وهدد أن يعدم حرقاً. احتمل أوريجينوس هذه العذابات بشجاعة، وإن كان لم يمت أثناءها، لكنه مات بعد فترة قصيرة، ربما كان متأثراً بالآلام التي لحقت به. قبل أن يموت أرسل إليه البابا الإسكندري ديونسيوس الذي خلف هيراقليس،
رسالة "عن الاستشهاد"، لعله بذلك أراد أن يجدد العلاقة بين العلامة الإسكندري أوريجينوس وكنيسة الإسكندرية. وفي عام 254م رقد أوريجينوس في مدينة صور بفلسطين وكان عمره في ذلك الحين 69 عاماً، وقد اهتم مسيحيو صور بجسده اهتماماً عظيماً فدفنوه إزاء المذبح وغطوا قبره بباب من الرخام نقشوا عليه: "هنا يرقد العظيم أوريجينوس"، تاركاً تراثاً ضخما من تفاسير الكتاب لمقدس، مقدماً منهجه الرمزي في التفسير، وإن كان قد ترك أيضا بلبلة شديدة في الكنيسة بسببه حتى بين الرهبان سببت انقسامات ومتاعب لا حصر لها.
ايها البرج العالى كيف سقط
أوريجانوس هل كان هرطوقيا ؟ اما انة فيلسوف تجاوز حدوده ويمكن أن نلتمس له بعض العذر
أوريجانوس.. ذلك المفكر المسيحي الذي ولد في العام 185 وعاش في فترة من أصعب الفترات التي واجهتها المسيحية حيث واجهت الاضطهادات مع التيارات الفكرية المضادة في وقت واحد .
أوريجانوس الذي تولى التدريس في مدرسة الأسكندرية الشهيرة خلفا للقديس إكليمنضس الإسكندري الذي قال عنه ج. ياردي " أنه رفع قلوب طلبته الى الأعالي التي أعلنها لهم بصبره وابتسامته الدائمة، كما..
ظهرت أيضا في حياة خلفه وتلميذه العلامة أوريجانوس Origeneالذي تخطت علاقته بطلبته حدود الدراسة ، فكان يلتقي بهم في السجن ويرافقهم في ساحات القضاء وساحات الاستشهاد.
كان يقبلهم قبلة السلام بحرارة شديدة في مشهد من الجميع، ويبق ملازما لهم حتى يسلمون أرواحهم في يدي الآب"[1] وقد قال أسقف نيصص عن ذلك لعلامة أوريجانوس " كان شرارة منيرة، ألقيت في أعماق نفوسنا الداخلية، فاشتعلت الحب فينا ، وصار لهيبا، بذلك صرنا نحب الكلمة القدوس (اللوغوس) الذي أحب العلوم الى نفوسنا، يجتذبنا الى جماله غير المنطوق به بغير مقاومة"[2]
ذلك الرجل الرائع في نظر الكثيرين هل كان هرطوقيا؟ مثلما اعتبرته الكنيسة العامة في مجمع 543م[3] ....[/size]