[b][size=24]التوجّه نحو العمق: كلمة إليصابات للراغبين في عيش الحياة الروحية:
إلهي، أيُّها الثالوثُ الذي أعبد، ساعدني على نسيانِ ذاتي كلياً لأستقرَّ فيك في سكون وهدوء، كما لو كانت نفسي منذ الآن في الأبدية ... لا تدعْ شيئاً يعكّرُ سلامي...
هذا الإختبار عاشته في العالم وفي الدير حيث اعتادت رؤية الله واختبارِ حضوره. فهي تعيش مخفيّة في السر. حقيقة اختبار إليصابات هذا تأتي من ذوبانها المستمر بكلام يسوع في الإنجيل، ودخولها العفوي في حيويّة الحوار الخاص معه، وتشغيلها كل طاقاتها لكي تجيب على حبّه بالحب. فكلماتُها تُظهِر بوضوح مدى العمق الحقيقي والنضج والواقعية الروحية التي اقتبستها واختبرتها في مدرسة أختها القديسة تريزا الطفل يسوع معلّمة الكرمل.
أحب تأمله، فهو يكشف عن محبة مُعلمي الشديدة ويقول لي إن الحب لا يُشترى إلاَّ بالحُب!
وبقراءتي للقديس يوحنا الصليب مُعلم الحب الكبير، كنتُ أفكرُ فيك؛ يقول: "ليس من شيءٍ يعذب على الله إلا الحب" (رسالة 274)
"أحبني وجاد بنفسه من أجلي"(غلاطية2/250)، ذاك هو التعبير عن الحب. كي تُثبتي ليسوع كم تُحبينه، إعرفي كيف تنسين نفسك دائماً كي تحققي السعادة لأخصائك الأعزاء وكوني أمينةً على كل واجباتك وكل قراراتك. عيشي بالإرادة أكثر من أن تعيشي بالخيال. (رسالة 278)
أعتقدُ أن المحبة هي مَنْ لا تسمح لنا بالتوقُّف طويلاً على الأرض، وما تبقى فقد تكلَّمَ القديس يوحنا الصليب عنه جذرياً؛ لديه فصلٌ مدهشٌ وصفَ فيه موت النفوس ذبيحات الحب، وصفَ الهجمات الأخيرة التي يشنها عليها، ثم جميع أنهار النفس تجري لتتلاشى في محيط الحبّ الإلهي والشبيهة عندئذ ببحار بقدر ما هي هائلة. يقول القديس بولس، ..."إلهُنا نارٌ آكلةٌ" (عبرانيين 12/29). إذا ثابرنا على الاتحاد به طوال الوقت بنظرة إيمان بسيطة ومُحبة، وإذا استطعنا القول مثل معلمنا المعبود، في مساء كل يومٍ: "لأني أُحب أبي، أعملُ دائماً بما يُرضيه" (من يوحنا 8/29)،...(293)
...لأنني أشعرُ "بالحب الشديد" (أفسس 2/4) الذي يُحبني به معلِّمي. (298) فـ"دعوتي هي الحب"
كان الله يقول للقديس بولس "حَسْبُكَ نِعمتي، فإن القُدرةَ تبلغُ الكمال في الضُعف" (2 قورنتس 12/9)، وفهمَ القديس الكبير ذلك فعلاً حين صرخَ: "أفتخرُ بحالات ضُعفي لأني عندما أكونُ ضعيفاً، تحلُّ بي قدرةُ المسيح" (2 قورنتس 12/9-10).ما يهم ما نشعر به؛ هو، إنه الدائم، اللامتغير أبداً: هو يحبك اليوم كما كان يحبكِ بالأمس، كما سيُحبكِ غداً. حتى لو أحزنته، تذكري أن غمراً يُنادي غمراً (مزمور 41/
وأن غمرَ شقائكِ، يا صغيرتي، يجذبُ غمرَ رحمته،(رسالة 298)
رسالتها في الكنيسة اليوم:
الراهبة الكرملية هي نفس رسولية، ترتبط رسالتها بالكنيسة ومن أجل الكنيسة، هذا هو تفكير اليصابات، وقد عاشت هذه الروحانية في بيتها قبل دخولها الكرمل (الصلاة، التضحية، التعليم المسيحي، رعاية الأطفال والفقراء...)، ولاحقاً في الكرمل.
وها هي إليصابات توجّه كلمتها اليوم الى كل شاب وفتاة في عالمنا، ورسالتها هي رسالة حب:
... من أحب يريد الخير للشخص المحبوب. كذلك قوة الحب هذا تكمن في كونك محبوباً: "تهلَّلي لأنك محبوبة من هذا القلب الصغير الذي هو لله بكليته. لقد أعطاه القدرة الفائقة كي يحب." (رسالة 178)
... يبدو لي أن مُهمتي في السماء هي أن أجذبَ النفوس ومساعدتها على الخروج من ذواتها حتى تلتصق بالله بحركة بسيطة ومُحبة تماماً، وأن تحفظَها في هذا الصمت الداخلي العظيم الذي يسمح لله بأن ينطبعَ فيها، وأن يُحولَها إليه بالذات." (رسالة 335)
كلمة إليصابات اليوم هي دعوة للإيمان بالحب، الحب الحقيقي الذي يحوّلني قبل أن يحوّل العالم من حولي، وينمي فيّ الطاقة على رؤية الحبيب في خضم مسائل الحياة الصعبة، في الحياة الروتينية، في الأمور الصغيرة خاصة. الحب ليس في الأمور الكبيرة، بل تلك الإشارات الصغيرة والأمينة التي تدل على انتمائنا لمن نحب.
مشكلة العالم اليوم هي ترتيب الأولويات، وهذه المسألة بالنسبة لإليصابات محسومة: "هو الأهم"، هو الذي يعمل فيّ ويبدّلني، دون أن أفقد حرّيتي. "ليحيا، ويَهَبَني حياته! لِيَسُدْ وأكون أسيرته! نفسي لا تريد بعدُ حرية أخرى!" (رسالة 255)
الحرية الحقيقية هي حرية أبناء الله:
يبدو لي أن النفس الواعية لسموِّها تدخل "حرية ابناء الله المقدسة" (رومية8/21) (عظمة دعوتنا،4)
نسيان الذات ومشاركة يسوع ألامه:
يبدو لي أن النفس الأكثر حرية هي النفس التي تنسى ذاتها. لو كنت قد سئلت عن سر السعادة لقلت: أن لا نحسب حساباً للذات وأن ننكر ذاتنا في كل حين. (عظمة دعوتنا 4)
كم أنا سعيدة وفخورة\ أن أملكَ علامة السعادة\ أن أشارك في آلامك\ على درب الجلجلة.(قصيدة 36)
...ها هوذا ما كان يحقق سعادة الرسول. تلاحقني هذه الفكرة وأعترف لك أنني أشعر بفرح داخلي وعميق حين أفكر في أنَّ الله اختارني حتى أشارك مسيحه آلامه. ويظهر لي أن درب الجلجلة الذي أتسلقه كل يوم هو طريق الغبطة على الأغلب: ألم تري بعض الصور التي تجسد الموت يحصد بمنجله؟ (عظمة دعوتنا،7)
أولوية الله في حياتناهي مصدر السعادة الحقيقية:
...كان الطفل الإلهي يدخر لنفسي سعادة هائلة. ففي عيد ميلاده، هذا، قال لي إنه سيأتي لعندي كعريس([4]): في يوم عيد الغطاس([5]) سيجعل مني ملكته وسأبرز نذوري التي تُوحدني به للأبد! إن فرحي لعميق جداً وإلهي جداً. إنه من النوع الذي لا يعبَّر عنه، لكن نفسك، الـمُشاركة في الله كفاية، قادرة على فهمه. ساعديني، أليس كذلك، لأنني أريد أن أكون كما يشاء هو.(ر 149)
وهي تقول لكل نفس اليوم ما قالته يوماً لصديقة لها:
إنها سعيدة جداً وبسعادة يعرفها الله وحده لأنه الحاجة الوحيدة فيها، سعادة تشبه سعادة السماء. خلال هذا الصوم الإلهي جداً في الكرمل، ستتحد نفسي بنفسك بشكلٍ خاص. سأطلب إلى الله أن يكشف لك عن عذوبات حضوره، ويجعل من نفسك معبداً يستطيع أن يأتي إليه ويتعزى. هل تتفضلين بالسماح لي بدخوله وأعبد معك "الذي" يسكن فيه؟.
لا أدري إن كنت سأنعم بسعادة أن أقدّم لعريسي شهادة الدم، لكن حين أقود حياتي ككرملية تماماً، فعلى الأقل سيكون لي عزاء أنني أذيب نفسي لأجله وحده. (ر 169)....
هذه الكلمات تقول الكثير لعالم اليوم، لأن الإنسان يجد في بحثٍ مستميت عن اللذة والسعادة والمال والثبات وكل ما يُشعرُه بالهناء والسلام. وفي أغلب الأحيان نجد ذواتنا أمام حضارة الموت والخيبة والخوف والقلق، نجد ذواتنا أمام التوتر والتعب... نهرب من الألم والألم ينظرنا في كل لحظة ونحن نخاف...
كلمة إليصابات اليوم أيضاً للذين كرسوا ذواتهم للمسيح، هي أن نتأمل مشوارها مع المسيح الذي بدأ قبل دخول الدير بعدّة سنوات أبرزت فيها نذوراً سرية أمامه، وبقيت أمينة حتى النهاية، وفي ذلك انتصار للمسيح وللكنيسة. وهذا أمر يدعو للشجاعة والقوة.
كذلك تريد إليصابات أن تقول للمتألمين في هذا العالم: المعاقين جسدياً والمصابين في قلبهم وفكرهم وللمرضى في الروح، والذين يشعرون بخيبات الأمل المتكررة، أن الألم هو قوة تحوّل نحو المسيح.[/size][/b]