الشهوات كثيرة ومتنوعة, منها شهوة الجسد, وشهوة الرئاسة والمناصب, وشهوة الكرامة والعظمة, وشهوة المال, وشهوة الامتلاك أو الاقتناء, وشهوة الشهرة, وشهوة الزينة والجمال, وشهوة السيطرة أو السلطة, وشهوة الانتقام والتدمير, وشهوة المعرفة وحب الاستطلاع...
وعلي الإنسان أن يقاوم كل شهوة خاطئة. وما أجمل قول الحكيم: افرحوا لا لشهوة نلتموها, بل لشهوة أذللتموها. ذلك لأن الشهوة إذا سيطرت علي القلب, تكون ملكية الله للقلب قد انتقلت منه إلي ذلك الشئ المشتهي.
حقا إنه من العيب أن يقال عن شخص إنه( شهواني), أي أنه يقاد بشهوته. فإذا اصطدمت بالشهوة, فأفصل وسيلة هي أن تهرب منها, بدلا من أن تدخل معها في صراع قد تنهزم فيه, أو علي الأقل ـ إ ذا انتصرت ـ يكون قلبك قبل ذلك قد تدنس بالشهوة.
مادامت الشهوة لا تستريح حتي تكمل, فالأفضل لك هو الهروب منها, والبعد عن مسبباتها. لماذا تدخل معها في صراع أو نقاش؟ إنك كلما أعطيتها مكانا أو تهاونت معها أو اتصلت بها, حينئذ تتقوي عليك. وتتحول من مرحلة الاتصال, إلي الانفعال, إلي الاشتعال.. إلي الاكتمال.
فتتدرج من التفكير فيها, إلي التعلق بها, إلي الانقياد لها, إلي التنفيذ, إلي التكرار, إلي الجنون بها, إلي الاستعباد لها, وقد يلجأ الشخص إلي طرق خاطئة لتحقيق شهواته:
إلي الكذب, أو الخداع, أو الاحتيال, وربما إلي أكثر من هذا.. وأحيانا إذا تعب إنسان من شهوة يقع في خدعة ويقول: من الأفضل أن أشبع هذه الشهوة, حتي أقضي علي هذا الاشتياق إليها, وأستريح!!
إن الشهوة لا تشبع أبدا. فكما يمارس الإنسان الشهوة, يجد لذة, واللذة تدعوه إلي الممارسة. والقصة لا تنتهي...
إن إشباع الشهوة لا ينقذ الإنسان منها, بل يزيدها.. إنسان مثلا يشتهي المال: نراه كلما يجمع مالا, يشتاق إلي مال أكثر, ويحب أن يكثر ماله من الآلاف إلي المليون إلي المليار.... شاب طموح يشتهي الترقي: إن وصل إلي الدرجة الرابعة. يشتاق إلي الثالثة, ثم إلي الثانية فالأولي, فدرجة مدير عام. والذي يقع في شهوة الجسد, لا يشبع من شهواته.. أبونا آدم كان له شجر الجنة ما عدا واحدة, فاشتاق إلي هذه الواحدة, حتي أكل منها.. وبالوضع من وقع في شهوة النساء قد لا يكتفي...!
صدق سليمان الحكيم حينما قال:العين لا تشبع من النظر, والأذن لا تمتلئ من السمع.. كل الأنهار تجري إلي البحر, والبحر ليس بملآن...
لا تظن إذن أن إشباعك للشهوة ينقذك منها, لأنه لا ينقذك إلا ضبط النفس والهروب من الشهوة. إن يوسف الصديق لم تكن له شهوة تحاربه من الداخل.. ومع ذلك هرب من الشهوة التي تحاربه من الخارج من امرأة تشتهيه..
مفيد إذن هو البعد عن الشهوات, لأنها جذور الخطايا.. فالزنا يبدأ بشهوة الجسد, السرقة تبدأ بشهوة ما للغير أو بشهوة حب الاقتناء. والكذب يبدأ بشهوة تبرير الذات أو بشهوة تدبير شئ ما.
والقتل يبدأ أحيانا بشهوة الانتقام أو الحسد, أو بشهوة الهروب من الانكشاف بخطية أخري...
ذلك إن نجا الإنسان من الشهوة, وانتصر عليها بالهروب منها, يكون قد انتصر علي كل الخطايا التي بدايتها الشهوة.. وحقا إن لذة الانتصار علي النفس, بضبط النفس من جهة الشهوات, هي أعمق من لذة ممارسة الشهوات...
ونصيحتي لك, هي أنك إن تعبت من شهواتك, فلا تيأس, ولا تظن أنه لا فائدة من المقاومة... بل فكر فيما تستطيع أن تعمله نعمة الله من أجلك, وليس ما تعجز أنت عن عمله..
إن الله لا يتركك وحدك في جهادك الروحي ضد الشهوات, بل هو يعينك بقوة من عنده تسندك مادمت ترغب في أن تحيا حياة البر. وفي ذلك قال أحد الآباء: إن الفضيلة تريدك أن تريدها لا غير. فإن أردت الفضيلة, حينئذ تدركك قوة من الأعالي تساندك حتي تنتصر... أما أنت فجاهد بكل إرادتك, وبالصلاة حتي يعينك الله. ولا تخجل من أن تصلي حتي وأنت ساقط تحت عنف الشهوة. بل تمسك بالله بالأكثر الذي يمكنه أن ينقذك ويطهرك..
قل له: أنا يا رب إن انهزمت أمام الشهوة, فأنا مازلت واحدا من خليقتك ومن رعاياك: أنا واحد من قطيعك الذي ترعاه حتي إن ضللت, فسوف تبحث عني وترجعني إليك.
لأنك تريد أن الجميع يخلصون, وأن ينتصروا علي شهواتهم...
أنت يا رب لا تتخلي عني, وأنا لا أتخلي عنك, مهما حاول الشيطان أن يفصلني عنك..
وأنا يا رب وإن كنت قد انهزمت حينا أمام شهواتي, إلا أني لم أتركك في أعماق قلبي, ولن أتركك..
لا تجعل حروب الشهوة تفصلك عن محبة الله وعن محبة ملائكته وسمائه. وحتي إن ضعفت وسقطت, قل له في عمق: أنت تعرف يا رب أنها خطية ضعف, وليست خطية خيانة مني لك, ولو هي خطية بغضة لك حاشا أن تكون كذلك
وفي كل ذلك, ثق أن الله يهتم بإنقاذك من كل شهواتك, ومن كل سقوطك وضعفاتك, وسوف يجذبك إليه, ويردك إلي طريقه مهما بعدت بعيدا, أوحاولت إغراءات العالم شدك إليها. وتذكر دائما أولئك الذين انتصروا في حرب الشهوات ضدهم, فإن ذلك يشجعك ويقويك.
ولا تضع أمامك ما تعرفه عن ضعفاتك وانهزاماتك, فإن ذلك يغرس اليأس في نفسك. أيضا تذكر الذين سقطوا وقاموا,, ونموا في حياة التوبة حتي صاروا من الأبرار, والله ـ في رحمته ـ لم يذكر لهم ماضيهم.
ولكي تتخلص من قوة الشهوات الخاطئة, حاول أن تجعل شهوة أمور أخري من صفات البر والفضيلة تحل محلها, وتجد عمقا في قلبك, لكي تقيم توازنا بين هذه وتلك في مشاعرك. وثق أن الجانب الخير سوف ينمو داخل قلبك شيئا فشئيا, حتي تتخلص من شهوات الخطية.
وإن عرفت ضعفك, لا تعرض نفسك لمحاربات الشهوة مرة أخري, بل اهرب من كل مسبباتها, واغلق طرقها الموصلة إليك, واغلق أبواب قلبك أمامها, وليكن الله معك.