[b][size=24]مريم حواء الجديدة
ذكرنا ان " الممتلئة نعمة " هو الاسم الشخصي للعذراء مريم وهذا الاسم يهبها امتياز القبول بإفراغ نفسها من كل ما هو ذاتي ليمتلىء بكل ماهو الهي، وهذا هو سر البتولية... لذلك فالممتلئة نعمة اصبحت تعني ان الله يتجلى من خلالها، يغيرها ويبدلها ويخلقها انسانة جديدة يعيد فيها صورته ومثاله الذي بدأ به الخلق. لذلك يسميها التقليد حواء الجديدة.
بدء الخليقة:
ولو عدنا الى النص الكامل لبدء الخليقة التي افتتح بها الكتاب المقدس والتي من خلالها تشكل الحقيقة المعلنة عن الانسان المخلوق على صورة الله ومثاله، " خلق الله الانسان على صورته. على صورة الله خلقهما ذكرا وانثى خلقهم " (تكوين 1: 27).
فالله خلق الانسان مزيناً بأجمل المواهب واخضع كل الكائنات له.خلقه مملوءاً بالنعمة وجعله في جنة ونعيم ورفعه الى الشركة معه...
ثم أقام له حواء من احد اضلاعه لتكون أمّاً لكل الاحياء...
فالانسان هو قمة نظام الخلق كله في العالم المنظور وهو شخص، هذا ينطبق بالتساوي على كل من الرجل والمرأة لان كليهما خلقا على صور الله الشخصي ومثاله... ووجه الشبه بين الانسان والله هو ان الانسان كما الله كائن عاقل وهذا ما يميزه عن عالم الخلائق الحية كله...
وبفضل هذه الميزة يستطيع الرجل والمرأة ان يُخضعا سائر المخلوقات (تكوين 1: 28).
المثيل المعين:
يشير النص الى قول الله "لا يحسن ان يكون ادم وحده بل اصنع له مثيلا يعينه " (تكوين 2: 18). فالمرأة تعين الرجل كمال الرجل يعين المرأة لانها تحمل طابع الانسان... ان التعاون واجب على الطرفين وانه متبادل. فكون الاثنين بشراً يعني الدعوة الى المشاركة بين الشخصين.
وان الانسان لايمكن ان يحقق ذاته مالم يهب نفسه مجاناً لغيره. اي ان يكون هو نفسه عطية.
ان وجود معينة (حواء) لا تنحصر مهمتها مساعدته على العمل وعلى اخضاع الارض... انه مما لاشك فيه ان هذه المعينة هي شريكة حياة يمكن للرجل ان يتحد بها روحا ونفسا وجسدا..
المعينة، اي تكون عونه بان تكشف له ذاته، تفهمه، تعطيه القيمة الذاتية والثقة التي تساعده في بناء ذاته من خلال شركة متبادلة ومشاركة مع الله من خلال اتحاد روحي وفكري، اي من خلال علاقة تؤدي اخيرا الى الوحدة.
الانسان خاطىء:
لكن الخطيئة عرقلت العلاقات المتبادلة بين ادم وحواء والله. وان سفر التكوين يؤكد وجود الخطيئة وهي الشر الذي صنعه الانسان في " البدء"، كما يؤكد عواقبها التي لايزال الجنس البشري أجمعه ينؤُ تحتها منذ ذلك الحين. كما ان هذا السفر يظهر في ذات الوقت، البشرى الاولى للانتصار على الشر وعلى الخطيئة حيث يخاطب الله الحية قائلا:" اجعل عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها فهو يسحق رأسك وانت ترصدين عقبه " (تكوين3: 15).
ولهذه الاية مدلولاتها ومغزاها، اذ ان البشري بالفادي مخلص العالم التي تحملها الكلمات الموجهة للمرأة بصفتها السلف الذي سيخرج من نسله فادي الانسان. واذا وجب ان يتحقق الفداء فعن طريق مكافحة الشر والعدواة بين نسل المرأة ونسل ذلك الذي كان يوصفه (ابا الكذب ) يو 8/ 44، المسبب الاول للخطيئة في تاريخ الانسان، فان هذه العداوة ستكون عداوة بينه وبين المرأة.. ان هذا الكلام يمهد للانجيل بل هو الانجيل نفسه وعبر هذه الكلمات يتجلى وجهان للمرأة اذ تلتقي حواء ومريم بوجهين مختلفين.
حواء ومريم:
ان المقارنة بين حواء ومريم تطرح ذاتها باستمرار عندما نفكر في وديعة الايمان الذي ينقله الينا الوحي الالهي:
فحواء ام جميع الاحياء (تكوين 3/ 20) تشهد انها صورة لله ومثاله وعن واقع الخطيئة الاصلية فيما تشهد مريم " للبدء الجديد " و " الخليقة الجديدة " (2كو5/ 17) وهي فضلا عن ذلك " الممتلئة نعمة " فهي حواء الجديدة التي بمواهبها وبركتها ورسالتها اعطاها الله القدرة على خلق العلاقة من جديد. تلك العلاقة التي زالت بانفصال ادم وحواء عن الله، بعد ان كانت علاقتهما مثالية مع بعضهما ومع الله، لكن ارادة كل منهما لذاته دون الله ادى بهما الى الانفصال عن الله.
فاصبحت مريم ام الحياة وهي ببتوليتها اعادت العلاقة وكأنها تقول لله: انا لك ولست لغيرك فقبلت ارادة الله وبقبولها عاشت البتولية من جديد ليتجسد فيها ادم الجديد (1كو15 /54) الذي استوعب في شخصه ادم القديم وليبدأ العهد الجديد في كون ابن الله صار انسانا واشرك الانسانية في وحدة شخص الكلمة الالهي الذي اعاد العلاقة بينه وبين الانسان.
فادي البشرية:
ان سر افتداء العالم يفترض ان الله استوعب الطبيعة الموروثة عن ادم واصبح شبيها به وبكل انسان " في كل شيء ماعدا الخطيئة " عبرانيين 4/15.
إن مريم العذراء هي الاعلان الكامل عن سر الفداء... ويشير اسم "الممتلئة نعمة " الى تجاوز الحدود التي يتحدث عنها سفر التكوين والعودة الى البدء حيث كانت المرأة كما ارادها الله ان تكون يوم خُلقت وكما كانت في فكر الله الازلي وفي احضان الثالوث الكلي القداسة...
هكذا اصبحت مريم هي البدء الجديد للمرأة في العهد الجديد وشريكة بالخلاص وبسر الفداء وسيدة جميع الشعوب ومباركة بين النساء[/size][/b]