في عين كارم:
"تعظّم نفسي الرب"... عند خالتها أليصابات ... مريم الرشيقة... مريم انطلقت لتشارك نسيبتها في فرح هذا السرّ المشترك... لتشاركها فرحها، نعم، ولكن أيضاً لتخدم... هي الصبية راحت تخدم تلك التي شاخت... مريم، حاملة الحياة، أصبحت من ذات فعلها خادمة البشر، مثال خدّام الأخوة، بعد أن كانت خادمة الرب!
في قانا:
"لم يعد لديهم خمر… افعلوا ما يأمركم به" (يو2/4-5)
مريم أظهرت دورها كأم للخليقة، حين استبقت الساعة وطلبت من ابنها: إنّها أم يسوع، ولكنّها أم الذين أخذوا يلمسون البؤس... إنّها المرأة التي ترى، والتي تهيئ، التي تشعر تتعاطف مع الانسان ... المرأة الخفيّة والفعّالة التي تخدم وتنصح وتطالب بحقّ الضعيف... إنّها المرأة التي تعرف كيف تختفي وهي حاضرة، انها حب وحضور...
على أقدام الصليب:
" قرب الصليب كانت واقفة أمّه" (يو20/4-5)
مريم المداومة والمثابرة والجريئة... مريم الإنسانة والحسّاسة... مريم الأم صاحبة القلب المطعون والروح المنسحق، والجسد المنحني… مريم شهيدة الحب، شهيدة قرب ابنها الشهيد... مريم هي المتضامنة مع الإنسانية المتألّمة، مع كل المجرّبين في الأرض في كلّ الأوقات وكلّ الأمكنة... مريم واقفة على أقدام الصليب... في الآلام والحب الى أقصى حدود، إنّها تعطي ابنها، وتلد معه الكنيسة... وكل البشرية المخلَّصة.
زمن القيامة:
فكما كانت مع ابنها على أقدام الصليب، هي معه في فرح القيامة... "طوبى لمن يؤمن دون أن يرى!" (يو20/29)
زمن العنصرة:
"مريم كانت هناك في العلّية" (أع1/14)
مريم كانت حاضرة... في قلب جماعة الرجال التي تتحضّر للانطلاق في رسالتها. مريم، كما في قانا، هي هنا، إنّها تشدّد، تقوّي وتشارك التلاميذ – الرسل فرحهم، تشجّع، تفتح لهم أبواب العلّية وتدفعهم للخروج، على طرقات الناس...
مريم!!! الشفافية...
إنّها ترى، تستبق الأمور، وتعطي الحاجة الملحّة.
إنّها تفهم في قلبها، وتتحاشى بلباقة، الظروف الصعبة.
إنّها تشعر، تشجّع وتغمر في ظلّ جناحيها من هو ضعيف...
إنّها تستقبل وتصغي بتعاطف، تشعر بالآخر.
إنّها تسهر، تحمي وتنظر أبعد من الأمور الحاضرة والمنظورة.
إنّها تشاركنا حالتنا البشرية، فرحنا وأتعابنا.
إنّها تخدم، تعذر وتصبر.
إنّها قريبة ولكنّها خفيّة.
إنّها تعزّي، تقود، وتصلح ما قد هُدِّم.
إنّها تفرح لفرحنا وتحزن لحزننا.
إنّها بكليّتها جسد من جسدنا...
إنّها تحب وترجو.
إنّها مختارة بين كلّ النساء، ابنة شعب يسير يتقدّم لتكون له وأمامه المثل والقدوة.
إنّها باب السماء...!!!
ما الذي لم تعشه هذه الابنة التي من أرضنا ؟
الاستقبال والعطاء.
الثقة والتسليم لسرّ كبير
الحياة الخفية وحياة الخدمة.
تجربة التهجير والتعب.
تجربة القلق والخوف.
تجربة صليب ابنها، تجربة ولادة الكنيسة.
فرح القيامة.
فرح ملء الروح، فرح الإرسال، فرح ولادة الكنيسة.
أخيراً فرح اللقاء النهائي بالآب وبابنها وبالروح القدس عروسها.
هكذا عاشت مريم، هكذا تعيش الكنيسة منذ ألفي سنة وهكذا ستعيش الى الأبد...
هكذا حوّلت مريم كل حدث الى عيد، الى احتفال مفرح، لأنّها عاشت كل ذلك معه وبقربه ولأجله...
محورت حياتها وكيانها ورغبتها حول شخص ابنها، المسيح. (لننظر كيف نصلّي المسبحة انطلاقاً من أسرار المسيح: أسرار الفرح، الحزن، المجد). ولهذا السبب كان لكلّ حدث لون وطعم خاص، طعم حضور الله المكثّف في حياتها... لأنّ حياتها كانت ملء حياة، والفضل بذلك "للحياة"، "للعطية" المقبولة والمقدّمة لكل بشر... لأنّ مريم أحبّت ابنها وأحبّت كل إنسان بابنها... لأنّ مريم لم تكن سوى حب... لم تكن سوى كتلة حب صافي وطاهر... أكان بإمكانها أن تكون غير ذلك بقرب " الحب "؟
بعض االنقاط العمليّة لنا اليوم
مريم هي مثال المرأة، مثال السيّدة العظيمة الرائعة بحضورها الصامت، المنفتح والمستقبل. تعلّمنا كيف نعيش هذا الحضور، نحن المعرّضون للحكم على الآخرين، لانتقاد من هم حولنا (الآخرين، الأقربين، البعيدين، الكنيسة…) مريم في قانا تبقى لنا المثال الذي نقتدي به.
1- مريم هي مثال الطاعة والانقياد والطواعيّة… بايمانها واصغائها، طاعتها وخوفها… كم من الظروف في حياتنا اليوميّة اذا حوّلناها الى مريم تتغيّر، وخاصّة اذا تأمّلنا ذلك الوجه الجميل ، وجه "ست الكل" وسمعنا بعضاً من نصائحها…
2- مريم هي مثال الانسان المصلّي، لأنّها تعيش بتناغم مع الروح القدس… أليست هي عروسه المحبوبة؟… من حميميّتها مع الروح، علينا جميعا أن نتعلّم. لندخل في مدرستها فتنفتح أمامنا وفي قلوبنا ابواب السماء وتظهر نجمة الصباح في وسط ظلماتنا.
3- مريم، مثل ابنها، هي صلة الوصل بين الأرض والسماء. يكفي أن نلتجئ اليها لتنفتح لنا وللكنيسة والعالم أبواب الرجاء. مريم هي قريبة. مريم لم تخيّب يوما من التجأ اليها.
…لنأخذ مريم الى بيتنا كما فعل يوحنّا: "وأخذها يوحنّا الى بيته"(يو 19 / 27) . لنأخذ مريم الى بيتنا اذا أردنا أن نعيش في حميميّة الآب والابن والروح القدس.