[size=24]سؤال: كيف يمكن القول أن مريم العذراء قد عُصمت من اللحظة الأولـى للحبل بها من الخطيئة الأصليـة، وبالتالـى وُلدت بدونهـا، بينما جاء فى رسالة القديس بولس:"إذ الجميع قد خطئوا فيعوزهم مجد الله"(رومية23:3)، وايضاً جاء على لسانهـا:"وتبتهج روحي بالله مخلصّي"(لوقا47:1) وهذا يعني أن الخطأة فقط هم الذين يحتاجون إلـى مخلّص؟
وأيضاً جاء فى العهد القديم العديد من الآيات التى تؤكد انـه ليس هناك إنسان بلا خطيئة إلاّ يسوع الـمسيح"الذى ظهر ليرفع خطايانا ولا خطيئة فيـه"(1يوحنا5:3)، وها هو أيوب يُعلن:"ما الإنسان حتى يزكو أو مولود الـمرأة حتى يبِرّ"(ايوب14:15)، ويقول الـمرّنم:"إني فى الإثم وُلدت وفى الخطيئة ولدتنـي أمي"(مزمور5:50)، وسليمان الحكيم يقول:"ليس من صدّيق على الأرض يصنع الخير بغير أن يخطأ"(جامعـة20:7)، و "لأنـه ليس إنسان لا يخطأ"(3ملوك46:
، وعليـه فلا يمكن قبول أن مريم قد عُصمت من الخطيئة. وأيضاً
يقول الكتاب الـمقدس أن خطايا الأباء يحملها الأبناء وحتى الجيل الرابع، فكيف يمكن تفسير ذلك التعليم القائل بأن مريم قد عُصمت من خطيئة الأبـاء؟
ان الكنيسة الكاثوليكية قد إستحدثت وحدها هذه العقيدة التى لـم يكن لها وجود من
قبل، فمتى تم إعلان هذه العقيدة؟
الرد:
فى يوم 8 ديسمبر من عام 1854 أعلن البابا بيوس التاسع هذا الإعلان فى الدستور العقائدي Ineffabilis Deus
" إكرامـاً للثالوث القدوس وإحتراما وتـزيـيـناً للعذراء, إرتفاعاً للإيمان الكاثوليكي وتنميـة وإزدهار للديانة المسيحيـة نعلن ونحدد أن التعليم القائل بأن الطوباية مريم العذراء قد عـُصـمـت منذ اللحظة الأولى للحبل بها من كل دنس الخطيئة الأصلية وذلك بنعمة وإنعـام فريدين من الله القديرونظراً لإستحقاقات يسوع المسيح مخلص الجنس البشري, هو تعليم موحي به من اللـه وواجب من ثم على جميع المؤمنين الإيمان بـه إيماناً ثابتاً وعلى الدوام".
1. لن نـجد فى الكتاب المقدس نـصـاً يعلن صراحة عن هذا التعبير
"الخطيئة الأصلية" ولكن توجد إشارات تومئ الى ذلك المعنى.
2. نبؤة المخلص الآتـي والعداوة ما بين المرأة وابليس(تكوين 15:3) والتى تظهر عداوة متأصلة،راسخة،ومستديمة،فلا يمكن ان تكون قد وُجدت تلك المرأة فى لحظة من الزمن تحت قبضة ابليس.والقول بأن العذراء لم يُحبل بها بلا دنس الخطيئة الأصلية يجعلها فى هذه اللحظة أسيرة ابليس وحليفته ومن ثم لا تنال رضى الله ولا تستحق النعمة. فإما نبطل قول الله الذى أعلن بوجود العداوة وإستمرارها بين المرأة والحية القديمة وإما بأن نقر ان العذراء الـمعلن عنها صراحة قد وقعت تحت قبضة ابليس. تلك النبؤة، تنبيء ايضا عن قرار الله بإرسال ابنه ليخلص العالم وهذا القرار أو النبؤة يقضي بان الـمخلص يأخذ جسدا من إمرأة وان هذه المرأة تكون عذراء. وقد إمتلأ الكتاب المقدس بالعديد من الرموز والشخصيات عن تلك الأم وابنها وتفاصيل المجيئ وايضا تفاصيل عن حياة ذلك الـمخلّص " ها ان العذراء تحبل وتلد إبنا ويدعى اسمه عمانوئيل" (أش 14:7و 5:35-10). فهل يصح ان تلك الأم التى اختارها الله منذ البدء لتكون أمـاُ لإبنه الفادي قد تركها لحظة من الزمن تحت قبضة ابليس؟
3. عندما اُرسل الـملاك جبرائيل الى مريم حياها تحية عجيبة "السلام عليك يا ممتلئة نعمة" (لو28:1). وهي كانت المرة الوحيدة التي جاء ذكر هذا التعبير فى الكتاب المقدس –الـمِلء حتى الفيض-،وترجمات الكتاب التى جاءت فيها هذه العبارة " أيتها المنعم عليها" ليست تحمل المعنى الحقيقي للكلمة اليونانية الاصلية (خاريتوميني) = الملء حتى الفيض. فتعبير "الممتلئة نعمة" يدل على شيء قد حدث فعلا .. ممتلئة الآن قبل حلول الروح القدس وتجسد الإبن فى أحشائها. وكان سلام الملاك وهو يلقبها بأنها "ممتلئة نعمة" كان قبل أن يحل عليها الروح القدس وقبل أن تظللها قوة العلي، أي انها كانت ممتلئة نعمة قبل بشارة الملاك وليس بعد أن قبلت أن تكون "آمـة للرب". وكلمة "ممتلئة نعمة" كما جاءت فى اللغة اليونانيـة، قد استخدمت مرتان فقط فى العهد الجديد فى انجيل لوقا28:1 فلقد قيلت لـمريم قبل الفداء،وفى رسالة القديس بولس لأهل افسس عن نعمة المسيح بعد الخلاص "الذى لنا فيه الفداء بدمـه مغفرة الزلاّت على حسب غِنى نعـمته"(افسس6:1).
4. إيـماءات كتاب نشيد الأناشيد: "كالسوسنّة بين الشوك كذلك خليلتي بين البنات(2:2)، "كلّك جميلة يا خليلتي ولا عيب فيكِ"(7:4)، "أختي العروس جنّة مقفلـة ينبوع مُقفل وعين مختومـة"(12:4)، "من هذه الـمشرقة كالصبح الجميلة كالقمـر الـمختارة كالشمس الـمرهوبـة كصفوف تحت الرايات"(9:6).
5. تعترف معظم الطوائف المسيحية ان مريم كانت بتولا قبل ولادة المسيح وأثناء ولادة المسيح وبعد ولادة المسيح ويلقبونها بالعذراء كل حين او الدائمة البتولية فإن كان الله بأعجوبة باهرة قد حافظ على بتوليتها دون مساس ليحافظ على كرامته ومهابته تمهيدا لتجسد ابنه الحبييب هل كان يصعب عليه تعالى ان يصون نفس امه ويعصمها من التلوث بالخطيئة الأصلية؟
6. الكتب الطقسية وأقوال الآباء منذ بدء الكنيسة مملؤة تعبيرات وشهادات عن برارة وقداسة مريم. فنجد نصوص تعظم العذراء بوجه عام وهى موجودة فى معظم الكتب الطقسية، ونصوص ترفع العذراء الى مرتبة أعلى من السموات والسارافيم والشاروبيم، ونصوص تُعظم العذراء بصفتها أم المسيح ولأنها ولدت لنا المسيح المخلص، ونصوص تشير فعلا الى فحوى العقيدة حيث تمدح ميلاد مريم العجيب ، والترانيم الطقسية التى تُشير بصورة فعالة الى عقيدة الحبل بلا دنس . أما الألقاب التى نُعتت بها العذراء فهى عديدة وكلها تنبئ عن مدى إيمان الأباء بنقاء وطهارة مريم العذراء.
7. حواء الثانيـة كما شُبهت من العديد من أبـاء الكنيسة وعلماؤهـا، فكما أن الـمسيح هو آدم الثانـي:"فكما فى آدم يموت الجميع كذلك فى الـمسيح سيحيا الجميع" (1كورنثوس22:15). ولقد تم عمل مقارنـة ما بين حواء العهد القديم وحواء العهد الجديد.
8. أن عقيدة قداسة مريم العذراء كانت من احدى ما يشغل الكنيسة فى القرون الأولـى. فإختيار الله لمريم لتكون أما لإبنه وقبول مريم لهذه الرسالة وإعتبار نفسها آمة للرب يعلن عن مدى قبولها لمشيئة الرب، لهذا وصفتها الكنيسة "بأنها كلية القداسة". وأعُلن فى القرن الخامس ( مجمع أفسس عام 431) ان مريم هى والدة اللـه "ثيئوتوكوس" بكل ما يحمله هذا الإيمان من معنىو تأكيدا لقداستها. ومجمع أفسس بتحديده رسمياً عقيدة أمومة العذراء مريم للمسيح الفادي وهذه الأمومة الإلهية تقتضى حتما القداسة الدائمة. فلقب "كلية القداسة" يعني أن مريم قد أُختصت بإستثناء من الخطيئة، لأن الخطيئة عموما هى رفض لمشيئة الله والإبتعاد عنه،ومريم لم تبتعد يوما عن الله بل وضعت نفسها فى خدمة العلي .
9. انها عناية الله المسبقة فى إختيار شخص معين وتخصيصه بكامله لذاته تعالى منذ لحظة بدء كيانه فيدعوه للإشتراك معه فى تنفيذ مواعيده الإلهية ويتجاوب هذا الشخص بقبول دعوة الله بإيمان وثقة فى الله لـلإشتراك فى تنفيذ التدبير الإلهي المعلن له تدريجيا " فقالت مريم ها انا آمة الرب فليكن لي بحسب قولك". لقد أختار الله الأب مريم إختيارا شخصيا فريدا من نوعه وتجاوبت مريم مع هذا الإختيار. " كما إختارنا فيه من قبل إنشاء العالم لنكون قديسين وبغير عيب أمامه بالمحبة"(أفسس 4:1).
مريم قد إختارها الله منذ الأزل لتكون أمـاً له. ويذكر لنا الكتاب المقدس إختيار بعض الرسل والأنبياء من أحشاء امهم مثال شمشون (قضاة 3:13), أرميا (أر 5:1) ويوحنا المعمدان (لو 15:1) وبولس الرسول (غلاطية 15:1).
وهذا يعني ان الإختيار من الرب ليس شيئا جديدا. كذلك ألا يهتم الله برحم أمـه كما فعل من قبل عند تقديسه لأحد قضاة اسرائيل وهو شمشون حيث أمر ملاك الرب منوح وزوجتـه قائلاً:"فاحتفظي ولا تشربي خمراً ولا مُسكراً ولا تأكلي شيئا نجساً"(قضاة3:13-17)، فكم بالحري تقديس رحم العذراء من قبل أن يتجسد الله الكلـمة؟ [/size]