[size=24]4- العناية الإلهية وتدبير العالم
4-1 مدلول العناية الإلهية وتدبير العالم
إن العناية الإلهية بالمعنى ألحصري، هي تصميم الله الأزلي للعالم "تصميم الأشياء بالنسبة إلى غايتها، تصميماً سبق إلى وضعه العقل الإلهي " . وهي تتضمن معرفة وإرادة. أما التدبير الإلهي للعالم، فهو تحقيق هذا التصميم الإلهي الأزلي للعالم في الزمان. بالتالي تصميم الله الأزلي للعالم وتحقيقه في الزمان هما معاً بالمعنى الأوسع العناية الإلهية.
4-2 حفظ العالم
إن الله يحفظ في الوجود كل المخلوقات، ومن ثم تعلن السلطة التعليمية العامة في الكنيسة ضد مذهب الإلهية، الذي يزعم أن الله الخالق يترك العالم وشأنه كلياً " أن عناية الله ممتدة أن الله لم يكفّ لحظة عن حفظ المخلوقات " .وهذا ما نراه بوضوح في الكتاب المقدس "أبي يعمل وأنا أعمل حتى الآن " (يو 5/17 ). وكم يظهر هذا أن وجودنا مُستمد من عناية ومحبة الله وحفظه للعالم. بالتالي إن لم يرغب الله في استمرارية البشرية وحفظها فلا تستمر، لأن الله هو مصدرها. ومن أجل ذلك يعلن المجمع المسكوني الفاتيكاني الأول "أن الله يحفظ ويسوس بعنايته جميع ما خلقه " . كما أن عمل الله في حفظه لمخلوقاته، هو تدخل منه متواصل، به يحفظ الأشياء في الوجود، وإن لم تتدارك العناية الإلهية هذه الأشياء بنفس القوة، التي بها خُلقت في البدء، لعادت إلى العدم.
بالتالي عمل الله في حفظ المخلوقات، هو تدخل منه متواصل به يحفظ الأشياء في الوجود وهذا التدخل يجري بطريقة غير مباشر، بل بطريقة مباشرة محققاً استمرارية الأشياء. وهذا ما يراه القديس توما الاكويني إذ يقول "إن حفظ الله للأشياء، لا يتم بفعل منه جديد، بل باستمرار الفعل الذي به وهبها الوجود " . ولدينا برهاناً على ذلك من الوحي الذي هو مصدر الإيمان، "أبي يعمل وأنا أعمل حتى الآن " (يو 5/17). وعمل الله هنا يدور حول حفظ العالم. ولذلك علّق القديس أغسطينوس على هذه الآية فيقول: فلنؤمن إّذاً، بأن الله يعمل أيضاً إلى الآن، بحيث أن الأشياء التي خلقها تتلاشى لو ارتفعت عنه يده.
ومن ثم أمام حرية الملاشاة، أي أن الله عن اختيار قام بخلق العالم لذلك، هو قادر أن يبيد العالم. يعلن لنا الوحي أن الله لا يريد ملاشاة العالم "ليس الموت من صنع الله ولا هلاك الأحباء يسره " (حك 1/ 13-14 ). بالتالي وجودنا هو مستمد من محبة الله فإذا لم يرغب الله في استمرارية البشرية فلم تستمر لأن الله هو مصدرها.
4-3 الله يحمي ويدبر بعناية كل ما خلق
يعلّم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، ضد القدرية الوثنية المادية "أن كل ما خلقه الله يحميه ويدبره بعناية " . كما أن الكتاب المقدس يشهد بنصوص عديدة، تظهر لنا عمل العناية الإلهية فنرى في العهد القديم، عناية الله الخاصة بشعب إسرائيل، وببعض رجال التاريخ مثل: يوسف وموسى وطوبيا. "إن الصغير والعظيم كلايهما صنعه على السواء، وعنايته تعّم الجميع " (حك 6/
. وفي العهد الجديد نجد يسوع نفسه في عظته على الجبل، يعلن أن عناية الآب السماوي تمتد أيضاً إلى أصغر المخلوقات، إلى عصافير السماء وزنابق الحقل، ويهتم اهتماماً خاصاً بالكائنات العاقلة. كما أن القديس بولس الرسول ينادي بشمول العناية الإلهية ‘ذ يقول:ة "يعطي الجميع حياة ونفساً وكل شئ " (أع 17/25 ). كذلك القديس بطرس يحس على الثقة بالعناية الإلهية إذ يقول: "ألقوا عليه همكم كله فأنه يعتني بكم " (1بط 5/7 ).
أخيراً نستطيع أن نقول: أن الله لا يمكن أن يخلقنا إلا ليحقق سعادتنا، وكل ما يريده لنا يكون إلا إذا رفضناه بإرادتنا الحرة. ولم يكتفي الله بأن يهبنا سعادة طبيعية تلائم إنسانيتنا، بل شاء بمحبته غير المتناهية، أن يتبنانا. هذا ليس فقط، بل شاركنا في حياته الإلهية من خلال النعمة، التي تجعلنا أبناء الله. وعندما أخطأ الإنسان وخسر هذه الحياة الإلهية، أرسل الله أبنه الوحيد ليشترك في طبيعتنا الإنسانية ويكفّر عنا ويفتدينا، ويعيد إلينا الحياة الإلهية التي فقدناها. فمات يسوع ابن الله لأجلنا ليعبّر عن عظم حب الله لنا. بالتالي يبقى لنا أن نقول أن الآم الإنسان والشر الذي يواجهه في حياته هو ثمرة حريته. أما عناية الله وتدبير العالم، فيقتضي تدخل الإنسان، أي مشاركة الإنسان في حفظ العالم وتدبيره. بمعنى اهتمامه بالعالم الذي نعيش فيه. لأنه لا يكون منطقي، أن لا نهتم بالبيئة، ونطلب من الله أن يبعد عنا الأمراض.
المصادر والمراجع
أولاً: المصادر
1- إبراهيم مدكور، معجم إعلام الفكر الإنساني، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984.
2- الكتاب المقدس بعهديه، الطبعة اليسوعية، دار المشرق، بيروت،2000.
3- المنجد في اللغة والإعلام، دار المشرق، بيروت، 1988.
4- حاضرة الفاتيكان، تعليم الكنيسة الكاثوليكية، مترجم، كيرلس سليم بسترس وآخرون، المكتبة البوليسية، لبنان، 1997.
5- دنتسغر- هونرمان، الكنيسة في وثائقها، الجزء الثاني، مترجم، يوحنا منصور- حنا الفاخوري، المكتبة البوليسية، لبنان، 2001.
6- عبد الرحمن بدوي، موسوعة الفكر الإنساني، الجزء الأول، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1984.
7- كارل راهنر- هربرت، معجم اللاهوت الكاثوليكي، مترجم، عبده خليفة، دار المشرق، بيروت، 1985.
ثانياً : المراجع
1- القديس أغسطينوس، اعترافات القديس أغسطينوس، مترجم، يوحنا الحُلو، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1962.
2- القديس أغسطينوس، مدينة الله، الجزء الثاني، مترجم، يوحنا الحُلو، دار المشرق، بيروت، 2002.
3- القديس أغسطينوس، مدينة الله، الجزء الثالث، مترجم، يوحنا الحُلو، دار المشرق، بيروت، 2002.
4- الخولاجي المقدس، د.م، مكتبة المحبة، القاهرة، د.ت.
5- جبرائيل فرح البولسي، الألم، جونيه، لبنان، 1971.
6- سليم بسترس، اللاهوت المسيحي والإنسان المعاصر، الجزء الأول، المكتبة البوليسية، بيروت، 1984.
7- عزت ذكي، الألم في مختلف الأديان، القاهرة، د.ت.
8- كيرلس سليم بسترس، مدخل إلى اللاهوت الأدبي، الجزء الثاني= الفكر المسيحي الأمس واليوم، المكتبة البوليسية، بيروت، 2001.
9- كوستي بندلي، الله والشر والمصير، منشورات النور، بيروت، 1993.
10- لودويغ أرث، مختصر في علم اللاهوت العقائدي، مترجم، جرجس المارديني، المطبعة الكاثوليكية، بيروت، 1965.
11- ليون عبد الصمد، العناية الإلهية، الجزء الثاني= موسوعة المعرفة المسيحية، دار المشرق، بيروت، 1990.
12- مارتليه اليسوعي، جواب على شك الخطيئة الأصلية والألم والموت، مترجم، خليل رستم، د.ن، د.ت.[/size]